|
فصل في عدّة الفراق طلاقاً كان أو غيره
(244) (مسألة 1 ـ لا عدّة على من لم يدخل بها) . كتاباً وسنة وإجماعاً من علماء الإسلام. أمّا الكتاب فقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحاً جميلا)(1). أمّا الروايات فمستفيضة بل متواترة منها: صحيحة زرارة عن احدهما (عليهما السلام) «في رجل تزوّج امرأة بكراً ثم طلّقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات كلّ شهر تطليقة، قال: بانت منه في التطليقة الأولى، واثنتان فضل، وهو خاطب يتزوّجها متى شاءت وشاء بمهر جديد، قيل له: فله أن يراجعها إذا طلّقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر ؟ قال: لا، إنّما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أوّلاً، فأمّا قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها قد بانت منه ساعة طلّقها»(2). -------------------------------------------------------- [1] ـ الأحزاب (33) : 49. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 175، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث2. (245) ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدّة، تزوّج من ساعتها إن شاءت وتبينها تطليقة واحدة وإن كان فرض لها مهراً فنصف ما فرض»(1). ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن الرجل إذا طلّق امرأته ولم يدخل بها فقال: قد بانت منه وتزوّج إن شاءت من ساعتها»(2). (ولا على الصغيرة وهي من لم تكمل التسع وان دخل بها ولا على اليائسة) . في المسألة قولان، احدهما: عدم العدّة لهما وهو المشهور بين الأصحاب وبه صرّح الشيخان والصدوقان وسلاّر وأبو الصلاح وابن البرّاج وابن حمزة ومن تأخّر عنهم، وفي الجواهر قال: بل لم نعرف القائل بالأولى (عدم العدّة لهما) عدا من سمعت بل ربما ظهر من غير واحد دعوى الإجماع في مقابله حتى أنّ الشيخ حكاه عن معاوية بن حكيم من متقدمي فقهائنا وعن جميع المتأخرين منهم (3) . انتهى. ثانيهما: العدّة بثلاثة أشهر وهو المحكي عن السيّد المرتضى وأبناء زهرة وشهر آشوب وسماعة، والمشهور هو المنصور وبه تكاثرت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: قلت: وما حدّها ؟ قال: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. ---------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 22: 176، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث4. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 176، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث6. [3] ـ جواهر الكلام 32: 233. (246) قلت: وما حدّها ؟ قال إذا كان لها خمسون سنة»(1). ومنها: الموثّق إلى عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ثلاث يتزوّجن على كل حال: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى تكون كذلك ؟ قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض. قلت: ومتى يكون كذلك ؟ قال: ما لم تبلغ تسع سنين فإنّها لا تحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها»(2). ومنها: صحيحة جميل عن بعض أصحابنا عن احدهما (عليهم السلام) «في الرجل يطلّق الصبيّة التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها وقد كان دخل بها والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما» (3) . ومنها: صحيحـة حمّـاد بـن عثمان عمـن رواه عـن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الصبيّـة التـي لا تحيـض مثلها والتـي قـد يئست مـن المحيـض قـال ليس عليهما عـدّة وإن دخـل بها» (4) . ومنها: صحيحة حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن التي قد يئست من المحيض والتي لا يحيض مثلها، قال: ليس عليها عدّة» (5) . ومنها: صحيحة جميل عن بعض أصحابنا عن احدهما (عليهم السلام) «في الرجل يطلّق الصبيّة التي لم تبلع ولا يحمل مثلها، فقال: ليس عليها عدّة وإن دخل بها». (6) -------------------------------------------------------------[1] ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث4. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 183، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث5. [3] ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث3. [4] ـ وسائل الشيعة 22: 182، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث3. [5] ـ وسائل الشيعة 22: 177، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث1. [6] ـ وسائل الشيعة 22: 178، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث2. (247) ومنها: خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها»(1). ويدل على القول الثاني أيضاً أخبار، منها مضمرة أبي بصير قال: «عدّة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر»(2). ومنها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «في الجارية التي لم تدرك الحيض، قال: يطلّقها زوجها بالشهور، قيل: فإن طلّقها تطليقة ثم مضى شهر ثم حاضت في الشهر الثاني، قال: فقال: إذا حاضت بعد ما طلّقها بشهر ألقت ذلك الشهر واستأنفت العدّة بالحيض فإن مضى لها بعد ما طلّقها شهران ثم حاضت في الثالث تمّت عدّتها بالشهور فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطّاب وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدّة» (3) . ومنها: خبر هارون بن حمزة الغنوي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن جارية حدثة طلّقت ولم تحض بعد، فمضى لها شهران ثم حاضت، أتعتدّ بالشهرين ؟ قال: نعم وتكمل عدّتها شهراً، فقلت: أتكمل عدّتها بحيضة ؟ قال: لا، بل بشهر يمضى (مضى خ. ل) آخر عدّتها على ما يمضى (مضى خ. ل) عليه أوّلها» (4) . ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «عدّة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر» (5) . ------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 22: 182، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب3، الحديث2. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث6. [3] ـ وسائل الشيعة 22: 180، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث7. [4] ـ وسائل الشيعة 22: 181، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث9. [5] ـ وسائل الشيعة 22: 187، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب4، الحديث9. (248) ومنها: خبر محمد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: «المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض كم تعتدّ ؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت، قال: تعتدّ آخر الأجلين، تعتدّ تسعة أشهر، قلت: فإنّها ارتابت، قال: ليس عليها ارتياب لأنّ الله عزّ وجلّ جعل للحبل وقتاً فليس بعده ارتياب»(1). ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر»(2). ومنها: مرسلة الكلينى قال: وروي «أنّ عليهنّ العدّة إذا دخل بهنّ» (3) . وعن السيد المرتضى (رحمه الله) الاحتجاج بقوله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) (4) بأنّ الآية صريحة في أنّ الآيسات واللائي لم يحضن عدّتهنّ الأشهر على كل حال، والاشكال بأنّ في الآية الاشتراط بالارتياب لمكان قوله تعالى: (إن ارتبتم) وهو منتف فيهما مدفوع بأنّ الشرط غير نافع عند أصحابنا لأنّه غير مطابق لما يشترطونه وإنّما يكون نافعاً لهم لو قال تعالى: إن كان مثلهنّ يحضن في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهنّ تحيض. وإذا لم يقل تعالى ذلك بل قال: (إن ارتَبتُم) وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به. ولا يخلو قوله تعالى: (إن ارتَبتُم) أن يريد به ما قاله جمهور المفسّرين واهل العلم بالتأويل من أنّه تعالى قال: إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء وغير عالمين ------------------------------------------------------------[1] ـ وسائل الشيعة 22: 189، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب4، الحديث18. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 186، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب4، الحديث7. [3] ـ وسائل الشيعة 22: 179، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب2، الحديث5. [4] ـ الطلاق (65) : 4. (249) بمبلغها. ووجه المصير في هذا التأويل ما روي في سبب نزول هذه الآية أنّ أبي بن كعب قال: يا رسول الله ! إنّ عدداً من عدد النساء لم يذكر في الكتاب: الصغار والكبار واولات الأحمال، فأنزل الله تعالى (واللائي يئسن) إلى قوله (واولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ) فكان هذا دالاًّ على أنّ المراد بالارتياب ما ذكرناه، لا الارتياب بأنّها يائسة أو غير يائسة لأنّه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض والمشكوك في حالها والمرتاب في أنّها تحيض أو لا تحيض لا تكون يائسة(1). وقد ظهر ممّا ذكرناه كله أنّ الدليل على هذا القول الكتاب والسنّة، لكنّ الاستدلال بهما غير تمام. أمّا الكتاب ففيه: أنّ من المحتمل كون المراد من الارتياب في الآية الريب من حيث الحمل كما عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته «عن قول الله عزّ وجلّ (ان ارتبتم) ما الريبة ؟ فقال: ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتدّ ثلاثة أشهر ولتترك الحيض، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدّتها ثلاث حيض»(2). وعن الشيخ (رحمه الله) أنّه قال: «الوجه فيه أنّه إن تأخر الدم عن عادتها اقلّ من الشهر فليس لريبة الحبل، بل ربما كان لعلّة فلتعتدّ بالإقراء فإن تأخّر الدم شهراً فإنّه يجوز أن يكون للحمل فتعتد ثلاثة أشهر ما لم ترفيها دماً» (3) . كما أنّ من المحتمل ثانياً أيضاً الريب من حيث بلوغ زمان اليأس، ففي مجمع البيان للطبرسي (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم) فلا تدرون لكبر ------------------------------------------------------------- [1] ـ الانتصار: 146. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 186، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب4، الحديث7. [3] ـ الاستبصار 3: 325 / ذيل الحديث 10. (250) ارتفع حيضهنّ أم لعارض، وثالثاً الأعم منهما قضاءً لظاهر الآية وإطلاقها ومع هذه الاحتمالات حمل الارتياب على الجهالة كما ادّعاه السيدّ (قدس سره) والاستدلال بالكتاب على مختارة كما ترى حيث أنّه على تسليم عدم ظهور الآية في الاحتمال الأخير أو احد الأوّلين فلا اقلّ من مساواة الاحتمالات مع احتمال السيد (قدس سره) ومع الاحتمال فالاستدلال احتمال لا دليل كما هو واضح، وإن شئت تفصيل الجواب فعليك بالنظر في مثل الجواهر والحدائق. هذا كلّه بالنسبة إلى الكتاب. أمّا السنّة فمجموع أخبارها سبعة والمعتبر منها اثنان، صحيحة الحلبي وهي السادسة منها وصحيحة ابن سنان وهي الثانية منها والبقية بين مرسلة ومضمرة ومجهولة، ومثلها أخبار المقابل، فهي أيضاً كانت سبعة لكن المعتبر منها ثلاثة، موثقة عبد الرحمن بن عثمان وهي الخبر الثاني وصحيحته وهى الخبر الأول وصحيحة حماد بن عثمان وهي الخبر الخامس وغير هذه الثلاثة من الأربعة الباقية وإن لم تكن معتبرة لكنّها ليست في عـدم الاعتبار كالخمسـة السابقة فراجع إسناد تلك الأخبار جميعاً. فعلى هذا فالأخبار من الطرفين موجودة والتعارض ثابت، ففي الشرائع قال: «وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان» لكن هذه الطائفة غير قابلة للمعارضة للطائفة الأولى من جهات احديها: عدم الدلالة في تلك الأخبار من رأس وأنّها راجعة إلى البالغة الحدثة أو التي في سنّ من تحيض ولا تحيض وغير شاملة لغير البالغة أصلاً إلاّ المرسلة وخبر ابن حكيم اللذين يأتي الكلام فيهما في الجهة الثالثة، وذلك أمّا في المضمرة فموضوعها عدم بلوغ الحيض لا عدم بلوغ المرأة وكونه كناية عنه خلاف الظاهر كما لا يخفى فإنّ الأصل الحقيقة وموضوعية العناوين بأنفسها لا أنّها عناوين مشيريّة ومثلها بقية الأخبار فراجعها. (251) ثانيتها: أنّ المنصرف من عدم بلوغ الحيض ودركه وعدم تحيّضها وكون الجارية حدثة في كلام أمام معصوم كان أو في كلام السائل، كلّها المرأة البالغة التي لا حرمة للدخول بها وذلك لندرة طلاق غير البالغة المدخول بها وعدم تعارفه والسائل يسأل عن المتعارف كما هو المتعارف في الأسئلة ومع إرادة النادر لابدّ من التقييد وبيان المفروض، فالتمسك بترك الاستفصال في مثل المورد كما ترى. كما أنّ إطلاق كلام المعصوم (عليه السلام) متصد لبيان مورد الابتلاء والمتعارف ولذلك يقال: إنّ مثل ألفاظ المقادير والأوزان محمول على العادة والتعارف ولا اعتبار بالخارج منهما ممّا يكون نادراً وخارجاً عن العادة، فتأمّل، ولأنّ الدخول بغير البالغة محرّم فكلام السائل المتشرّع والإمام المعصوم (عليه السلام) منصرف عـن بيان حكم مثل ذلك المحرّم وأنّ مـع وقوعه فهل على تلك الجارية عدّة أم لا ؟ فالمراد من عـدم بلوغ الحيض ودركـه المرأة البالغة غير الحائض لعدم زمان حيضها أو الأعم منها وممن لا تحيض وهي في سنّ من تحيض. ثالثتها: أنّه على تسليم عدم الانصراف نقول: النسبة بين الطائفة الأولى والثانية نسبة الخاصّ إلى العامّ فتكون مقيدة لا معارضة، فصحيحة عبد الرحمن وموثقته تنصّان على مادون التسع وكذلك مرسلتا جميل متضمّنتان لطلاق الرجل الصبية التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها وفي معناها صحيحة حمّاد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) نعم مرسلة الكلينى (رحمه الله) وخبر محمّد بن حكيم مختصّان بغير البالغة لكن المرسلة ليست رواية خاصّة كما لا يخفى بل نقل بالمعنى منه (قدس سره) عن تلك الأخبار وأمّا خبر محمّد بن حكيم فمعارضته لاسيّما لما عـن عبد الرحمن واضحة، لكن فيه أنّ في ذيله شهادة على أنّ المراد من «التي لا تحيض مثلها» المرأة الكاملة التي لا تحيض وفيها ريبة الحمل، ففيه بعد حكمه (عليه السلام) بثلاثة أشهر قلت: فإنّها ارتابت، قال: ليس عليها ارتياب لأنّ الله (252) عزّ وجلّ جعل للحبل وقتاً فليس بعده ارتياب. رابعتها: ترجيح الطائفة الأولى بمخالفتها للعامّة. هذا كلّه مع موافقتها للشهرة، وفي الجواهر بعد الجواب عن الكتاب قال: «وأمّا الأخبار فمع رجحان غيرها عليها من وجوه، منها مخالفة العامّة، لا بأس بحملها على إرادة من بلغت سنّ الحيض ولكن لم تحض، أو انقطع حيضها ولكن لم تبلغ سنّ اليأس» (1) . هذا كله في أصل المسألة وقد ظهر ممّا ذكرنا فيه أنّ مورد عدم العدّة هو الدخول قبل البلوغ الّذي يكون محرّماً وما في صحيحة عبد الرحمن وموثقته بالتفسير بعدم بلوغ التسع وانّه الحدّ فالظاهر أنّه من باب المثال والقدر المتيقّن، وما في شرح النافع للسيّد السند من كون مورد الروايات «التي لا تحيض مثلها» وهي الأعم ممّا قبل التسع والزائد عليه فليس الموضوع الصغيرة وقبل التسع، ففيه أنّ ذلك شبه اجتهاد في مقابل النص وهو صحيح عبد الرحمن بل ومرسلة جميل وغيرهما. (سواء بانت في ذلك كله بطلاق أو فسخ أو هبة مدّة أو انقضائها) . قضاءً لإطلاق الروايات. نعم عدّة الوفاة خارجة عن الإطلاق والضابطة قضاءً للأخبار الدالّة عليه عند ذكر المسألة إن شاء الله تعالى. ( مسألة 2 ـ يتحقق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلا أو دبراً وان لم ينزل، بل وان كان مقطوع الأنثيين) . لإخلاف في تحقق الدخول بإدخال الحشفة قبلاً وإن لم ينزل، بل الظاهر أنّه ------------------------------------------------------------- [1] ـ جواهر الكلام 32: 235. (253) إجماعي، ويدل عليه الأخبار الدالّة على أنّ الملاك في العدّة والمهر والغسل التقاء الختانين، وكذا الدالّة على أنّ الاعتبار في تلك الأحكام بمثل الدخول والوطئ والإتيان. فالطائفة الأولى ثلاثة وهي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل دخل بامرأة قال: إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة» (1). وصحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل» (2). وخبره أيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل دخل بامرأة، قال: إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة» (3). وأمّا الطائفة الثانية فكثيرة فمنها: صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم، ووجب المهر» (4). ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل والمرأة، متى يجب عليهما الغسل ؟ قال: إذا أدخله وجب الغسل والمهر والرجم» (5). ومنها: صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ملامسة النساء هي (هو خ. ل) الإيقاع بهنّ» (6). ومنها: خبر ابن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) «متى يجب المهر ؟ قال: إذا دخـل بها»(7). ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث3. [2] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث4. [3] ـ وسائل الشيعة 21: 320، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث8. [4] ـ وسائل الشيعة 21: 320، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث5. [5] ـ وسائل الشيعة 21: 320، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث9. [6] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث2. [7] ـ وسائل الشيعة 21: 320، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث7. (254) ومنها غير ذلك ممّا نقله صاحب الوسائل في أبواب متفرقة. ثم إنّ المذكور في الكتاب وإن كان هو المسّ ولكن المراد منه هو الدخول بدلالة ما مرّ في صحيحة عبد الله بن سنان من قوله (عليه السلام) «ملامسة النساء هي «هو خ ل» الإيقاع بهنّ» بل وبقية أخبار الباب فإنّها ناظرة إلى الكتاب ومأخوذة منها. هذا كله بالنسبة إلى أصل المسألة وأنّ المناط في الدخول هو الإيلاج، وأمّا الجهات الثلاث المذكورة في المتن من عدم اعتبار الإنزال والقبل والأنثيين فالكلام فيها يتم في ثلاث مسائل: الأولى: أنّ مقتضى إطلاق الأخبار عدم اعتبار الإنزال ويدلّ عليه بالخصوص صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله أبي وأنا حاضر «عن رجل تزوّج امرأة فأدخلت عليه ولم يمسّها ولم يصل إليها حتّى طلّقها، هل عليها عدّة منه ؟ فقال: إنّما العدّة من الماء. قيل له: فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل ؟ فقال: إذا ادخله وجب الغسل والمهر والعدّة» (1) . وحكمة كون العدّة لبراءة الرحم لا تنافي ترتيب الشارع الحكم على معلومية البراءة كما في غيرها من الحكم، والحصر في صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهم السلام) قال: «العدّة من الماء» (2) إضافي في مقابل محض الخلوة.وصحيحة ابن سنان التي فيها الجمع بين ذلك الحصر وحصول الدخول من دون إنزال، بل يشهد عليه موثقة يونس بن يعقوب أيضاً، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل زوّج امرأة فأغلق باباً وأرخى ستراً ولمس وقبّل ثم طلّقها، أيوجب عليه ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 319، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب54، الحديث1. [2] ـ وسائل الشيعة 22: 175، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب1، الحديث1. (255) الصداق ؟ قال: لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع» (1) . وكيف كان فالأمر سهل بعد صراحة الصحيحة في عدم اعتبار الإنزال وكفاية أصل الدخول. الثانية: لا فرق بين القبل والدبر في ذلك بلا خلاف بين الأصحاب وفي الجواهر بل ظاهرهم الإجماع عليه بعد نفيه وجدان الخلاف عدا ما عساه يشعر به اقتصار الفاضل في التحرير على الأول وبنفي الخلاف قد صرّح صاحب الحدائق وإن توقف فيه وتبعه في الرياض لولا الوفاق بدعوى انصراف المطلق إلى الفرد الشائع الذي هو المواقعة في القبل المندوب إليها والمحثوث عليها سيّما مع كراهة الأخير بل قيل بحرمته بل به يتحقق التقاء الختانين خصوصاً بعد ما تقدم من الخلاف في كتاب الطهارة في الغسل بدخولها فيه مع ترجيح العدم كما مرّ، وفي الجواهر الاشكال فيه بمنع الانصراف من جهة القرائن والشواهد ومن جهة أنّ الموجب للانصراف هو كثرة الاستعمال لا الافراد بل الظنّ القويّ الحاصل من الشهرة والإجماع على إرادة الأعم على تسليم الانصراف وأجمل كلامه بقوله «وبالجملة فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط» ودونك عبارته: «قد يقال بعد كون الدبر احد المأتيين وأحد الفرجين وما تقدّم سابقاً من النصوص في تفسير قوله تعالى: (فأتوا حرثكم أنّى شئتم) يمكن منع أن المنساق من الإيقاع والإدخال ونحوها غيره، بل ستسمع ترتب العدّة على الالتذاذ في صحيح أبي عبيدة المنزّل على ما يشمل ذلك، كما أنك سمعت ترتبها على الماء الصادق بإنزاله في الدبر، ويتم بعدم القول بالفصل، على أن كونه شائعاً فيما يقع من الوطئ لا يقتضي ندرة إطلاق الدخول والإتيان والوقاع والمسّ بل والوطئ ونحوها عليه، ولا اقلّ من كونه ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 321، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب55، الحديث1. (256) بالشهرة أو بالإجماع يقوى الظن بإرادة ما يشمل الفرد المزبور من الألفاظ المزبورة لو سلّم انسياق خصوص القبل منها. وبالجملة فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط» (1) . أقول: هذا صحيح وكلامه وإن لا يخلو عن المناقشة لكن ليس في تلك المرتبة من السقوط بل لكلامه وجه بعد ما للانصراف من الوجه وهو السؤال في الروايات الكثيرة عن الوطئ في الدبر،ففيه شهادة عليه وإلاّ فمع الاطلاقات الكثيرة وعدم الانصراف كيف يمكن التوجيه لتلك الكثرة من الأسئلة، والوجوه المذكورة في كلامه لعدم الانصراف كلها مورد للمناقشة (2) أمّا كون الدبر احد المأتيين كما جاء في خبر حفص بن سوقة، عمّن اخبره، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل يأتي أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل» (3)، فهو لبيان أصل الوقاع لالكثرته، مضافاً إلى أنّ المحتمل منه هو إرادة الإتيان في القبل أيضاً من الطريقين (4) . وأمّا إطلاق ------------------------------------------------------------- [1] ـ جواهر الكلام 32: 213. [2] ـ كثرة السؤال عن ذلك في رواياتنا لعلّها ترجع إلى فتوى العامة الرائجة بحرمته وكذا لبعض رواياتنا الظاهرة في الحرمة التي صدرت عن تقية أو لبيان الكراهة فالاطلاقات تامّة مأخوذة بها وغير منصرفة عن ظاهرها لوقوع كثرة السؤال. «المقرر» [3] ـ وسائل الشيعة 20: 147، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح، الباب73، الحديث7. [4] ـ وأنت ترى ما في هذا الاحتمال من البعد والغربة فإنّ إتيان المرأة في القبل أو وجوب الغسل بإتيانها في القبل مطلقاً من أي طريق لم يكن محلا للإبهام حتى يحتاج إلى السؤال. وأمّا ما أورده الأستاذ في إطلاق الفرج عليه ففيه أنّ استعمال كلمة «الفرج» في كلا المعنيين لا يكاد أن يخفى فإليك بعض ما جاء في الكتاب من استعماله في كليهما مطلقاً أو احدها خاصة: «والذين هم لفروجهم حافظون، إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين» (المعارج (70) : 29 ـ 30) وكذا قوله تعالى «إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات» إلى قوله «والحافظين فروجهم والحافظات» (الأحزاب (33) : 35) وكذا قوله تعالى «قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم انّ الله خبير بما تصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهنّ». الآية. (النور (24) : 30 ـ 31) . هذا ومن ذلك يظهر أنّ المعنى المقصود من هذه الكناية ـ وهي العورة في معناها الخاص لا ما يشمل جميع بدن المرأة ـ عام يشمل الدبر أيضاً ويناسبه، خلافاً لما أفاده الأستاذ. نعم عدم استعماله في الرواية له وجه وإن كان فيه أيضاً مجال للتأمل. «المقرر» (257) الفرج عليه فهو ليس بازيد من الاستعمال، مع أنّه في لسان اللغة والعرف لا الكتاب والسنّة. هذا كلّه مع عدم تناسبه لأصل المعنى في الفرج ونصوص تفسير آية الحرث إن لم يكن فيها من جهة السؤال شهادة على الانصراف فلا اقلّ من عدم الشهادة من رأس، وأمّا اللذة المذكورة فيما رواه أبو عبيدة الحذّاء قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) «عن خصيّ تزوج امرأة وهي تعلم أنّه خصيّ، قال: جائز، قيل له: أنّه مكث معها ما شاء الله ثم طلّقها هل عليها عدّة ؟ قال: نعم، أليس قد لذّ منها ولذّت منه ؟ قيل له: فهل كان عليها فيما يكون منه غسل ؟ قال: ان كان إذا كان ذلك منه أمنتْ فإنّ عليها غسلا، قيل: فله أن يرجع بشيء من الصداق إذا طلّقها ؟ قال: لا» (1) ، فهي في مقام بيان عدم مانعية حيث الخصاء وليست ناظرة إلى الدخول وعدمه. وبعبارة أُخرى، الإطلاق في مقام كفاية الاستلذاذ وإن كان من الخصيّ ودخوله في مقابل مانعية الخصاء لا في مقام كفايته مطلقاً ولو مع الخلوة وعدم الدخول حتى يكون شاملاً للدبر أيضاً. وأمّا قوله في صدق الماء بالإنزال في الدبر فهو اجتهاد في مقابل النص لأنّ «العدّة من الماء» في مقابل الخلوة فالحصر إضافي كما مرّ، والتمام بعدم القول بالفصل في قوله ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 227، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب13، الحديث4. (258) ((ويتم بعدم القول بالفصل)) فغير تمام لأن الحجّة هي القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل ، وأمّا عدم استلزام الشيوع في الخارج وبحسب المصداق الشيوع بحسب الستعمال والندرة في الاخير فيكون تماما وفي محله لكنّه مخدوش في المورد ومحّل البحث حيث إن الموضوع في الاخبار تلك العناوين المضافة إلي النساء لا المطلقة و استعمالها في القبل فقط غير بعيد . هذا مع أنّ القول بكون كثرة الوجود في أمثال هذه العناوين مما هو مورد للأسئلة والأجوبة موجبة لكثرة الاستعمال غير جزاف بل وجاهته موجهة .
|