|
حكم المقطوع
(258) حكم المقطوع الثالثة: المعروف بين الأصحاب بل ظاهر الكلّ عدم اعتبار الأنثيين وكفاية دخول الخصىّ المعبّر عنه في المتن بمقطوع الأنثيين، في وجوب العدّة فإنّه وإن كان لا ينزل ولكنّه يولج ويدخل فيكون بمنزلة الفحل الذي يجامع ولا ينزل، والمعتبر في الباب هو محض الإدخال والإيلاج والتقاء الختانين ولو مع عدم الإنزال كما عرفت، قضاءً لإطلاق الأخبار المنقولة المعتبرة في أوّل المسألة بل لظهور صحيحة ابن سنان في عدم اعتباره، ويدل على الكفاية بالخصوص صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سئل أبو جعفر(عليه السلام) «عن خصيّ تزوّج امرأة وهي تعلم أنّه خصىّ، قال: جائز، قيل له: أنّه مكث معها ما شاء الله ثم طلّقها هل عليها عدّة ؟ قال: نعم، أليس قد لذّمنها ولذّت منه ؟ قيل له: فهل كان عليها فيما يكون منه غسل ؟ قال: إن كان إذا كان ذلك منه أمنْت فإنّ عليها غسلاً، قيل: فله أن يرجع بشيء من الصداق إذا طلّقها ؟ قال: لا»(1). ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 227، كتاب النكاح، أبواب العيوب والتدليس، الباب13، الحديث4. (259) وهذه الصحيحة وإن كانت معارضة لصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت الإمام الرضا(عليه السلام) «عن خصي تزوج امرأة على ألف درهم طلّقها بعد ما دخل بها، قال: لها الألف التي أخذت منه ولا عدّة عليها»(1). إلاّ أنّها مقدّمة عليها لموافقتها الشهرة والإجماع والضابطة المستفادة من الأخبار. هذا مع أنّه على التكافؤ والتخيير فالأخذ بصحيحة ابن سنان الموافقة للشهرة أولى من الأخذ بالأخرى المخالفة لها ومع التساقط فالاطلاقات محكّمة،و أمّا الجمع بينهما كما عن الفيض في الوافي والمفاتيح بحمل العدّة في صحيحة أبي عبيدة على الندب فضعفه ظاهر لأنّ التعارض بينهما تعارض التباين والإثبات والنفي حيث إنّ قوله «نعم» في جواب السؤال بقوله «هل عليها عدّة» بمنزلة «عليها العدّة» المباينة لقوله(عليه السلام) «ولا عدّة عليها» فأيّّ تعارض اظهر من قوله «عليها» و«لا عليها» ؟ وكيف يحمل الإثبات على الندب ؟ والجمع بينهما بحمل الدخول في صحيحة ابن أبي نصر على الخلوة وحمل «الألف» على الاستحباب أولى من الطرح ; كما أنّ القول بالجمع بينهما بحمل الإطلاق وترك الاستفصال في صحيحة ابن أبي نصر على الجاهلة قضاءً للتصريح بالعالمة في الصحيحة الأُخرى ففيها «وهي تعلم أنّه خصىّ» بل أن يقال بأنّه لا تعارض بينهما أصلاً ليس بجزاف، بل عليه القرينة الخارجية. وهي التعبير في قوله تعالى (فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها)حيث أنّه مشعرة، إن لم تكن ظاهرة، بأنّ العدّة حق للزوج فهي بعد ما كانت عالمة فالحق له وإن كانت جاهلة فحقّ اعتداده عليها ساقط، وكذا القرينة الداخلية وهي إمكان اللذة المذكورة في الرواية المناسب للزوم إمكان الرجوع فيه في زمان العدّة. لا يقال: أنّه قول للفصل مع أنّ رواية أحمد بن محمّد معرض عنها فلا يأتي دور الإطلاق والتقييد ; فإنّه يقال: لعلّ الطرح مسبّب عن الاجتهاد وتقديم جانب ------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة 21: 303، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب44، الحديث1. (260) صحيحة أبي عبيدة لموافقتها مع الكتاب والاحتياط، وذلك غير موجب للسقوط عن الحجيّة، وبالجملة طرح الرواية المعرض عنها لابدّ وأن يكون الاعراض موجباً للاطمئنان بعدم الصحة كما عليه قوله(عليه السلام) في المقبولة في مقام التعليل «إنّ المجمع عليه لاريب فيه» فهذا جمع حسن وتمام، وعليه اللفظ والاعتبار إن لم يكن مخالفاً للإجماع. ثم إن كان الزوج مقطوع الذكر دون الأنثيين فعن الشيخ في المبسوط لزوم العدّة مع المساحقة، والمحقّق(قدس سره) في الشرائع قد تردّد فيه وفي الجواهر(قدس سره)في وجه الترديد «إنّ الأصل في الاعتداد الحمل والتحرّز عن اختلاط المائين ولذا انتفى عمّن لا يحتمل ذلك فيها ولشمول المسّ والدخول لذلك وغيره، خرج غيره من الملامسة بسائر الأعضاء بالإجماع، ومسّ مجبوب الذكر والأُنثيين جميعاً بالعلم عادة ببراءة الرحم، ويبقى هذا المسّ داخلا من غير مخرج له ; ومن أنّ العدّة تترتب على الوطئ والدخول ونحوهما ممّا لا يصدق على المساحقة، والمسّ حقيقةٌ في عرف الشرع أو مجاز مشهور في الوطئ، و كذا الدخول بها، فلا اقلّ من تبادره إلى الفهم، على أنّه مطلق يقيد بما دل على اعتبار التقاء الختانين والإدخال ونحوهما، وإمكان الحمل بمساحقة لا يكفي في العدّة بعد أن كان موضوعها في النص والفتوى الدخول ونحوه ممّا لا يشملها»(1). هذا في الحائل وأمّا الحامل فمختار المحقق(قدس سره) العدّة لإمكان الإنزال الذي يتكوّن منه الولد فيلحق به لأنّه للفراش ويندرج بذلك تحت قوله تعالى: (واولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ)(2) وهذا في الحقيقة تفصيل بين الحائل والحامل، بل عن القواعد إنّه كذلك وإن كان مقطوع الذكر والأنثيين على اشكال. أقول: والإشكال ينشأ من أنّ الرحم مع فقدان الأنثيين بريء من الحمل طبعاً، ------------------------------------------------------------- [1] ـ جواهر الكلام 32: 215. [2] ـ الطلاق (65): 4. (261) ومن أنّه يحتمل الحمل من الصلب ; فإنّه معدن المنى بالآية. وفي الجواهر الإيراد عليه بنفي الاشكال لأنّ الحمل ملحوق بالزوج ولو مع الاحتمال المخالف للعادة لإطلاق قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) «الولد للفراش» ثم الإيراد على المسالك وعلى المثبتين للعدّة بالحمل من دون دخول مائه المحترم فيها وعلى الشيخ(قدس سره) ولما في كلماته من الفوائد ننقلها برمّتها ثم نتعرّض لما فيها من الاشكال ودونك الكلمات: «وفي المسالك بعد أن ذكر أنّ المعتبر من الوطئ غيبوبة الحشفة قبلاً أو دبراً قال: «وفي حكمه دخول منيه المحترم فرجاً فيلحق به الولد إن فرض، وتعتدّ بوضعه، وظاهر الأصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا» وفيه أنّ المتجه مع فرضه كونه بحكم الاعتداد قبل ظهور الحمل مخافة اختلاط المائين، بل لعلّ وجوب العدة لها حاملاً يقتضى ذلك أيضاً، ضرورة معلومية اشتراط العدّة بطلاقها الدخولي، فإن لم يكن ذلك بحكمه لم يكن لها عدّة حتّى معه أيضاً، لظهور النصوص المزبورة في اعتبار الالتقاء والإدخال والمس ونحوها ممّا لا يندرج فيها المساحقة، من غير فرق بين الحامل وغيرها، والآية إنما يراد منها بيان مدة العدة للحامل، لا أن المراد منها بيان وجوب العدة على الحامل وإن لم تكن مدخولاً بها، كما هو واضح بأدنى تأمل. فمن الغريب إثباتهم للعدة بالحمل من دون دخول مائه المحترم فيها، مع أن نصوص العدة التي سمعتها لا فرق فيها بين الحامل وغيرها، وقد عرفت أنّ الآية ليست في أسباب العدة، بل هي في بيان أجل العدة، نحو الثلاثة قروء والثلاثة الأشهر المذكورين لغيرها، كما لا يخفى. وأغرب من ذلك فرق الشيخ بين العدة بالأقراء والعدة بالأشهر باشتراط الأولى بالدخول بخلاف الثانية، إذ هو كما ترى خارج عن النصوص المزبورة. ونحو ذلك في الغرابة حكمهم بعدم العدة في المجبوب الّذي لا فرق بينه وبين مقطوع (262) الذكر خاصة، بعد فرض حصول ماء من مساحقته يمكن تكوّن الولد منه ولو على خلاف العادة، لإطلاق قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الولد للفراش» المفروض شموله لمساحقة سليم الأنثيين، ولو كان الذي ألجأهم إلى ذلك حمل قوله(عليه السلام): «إنما العدة من الماء» على إرادة بيان الحكمة لا السبب، ولذا أعقبه باعتبار الإدخال في العدة، ولم يجعلوا ذلك سببين للعدة، وحمل قوله(عليه السلام): «لذّت منه ولذّ منها» على خصوص الالتذاذ بالإدخال لا مطلقا بحيث يشمل المساحقة لكن كان المتجه عدم التزام العدة حتّى مع الحمل منه، وكون منيّه محترماً لا ينافي سقوط العدة المشترطة بالدخول والفرض عدمه، فيكون حملها نحو حملها باستدخال قطنة من منيّه أو بمساحقة زوجة كانت تحته، وصعوبة التزام ذلك باعتبار كونها حاملاً منه كصعوبة التزام عدم العدة لمائه المحترم فيها المحتمل تكوّن ولد منه، مع أن مشروعية العدة للحفظ من اختلاط الماء، والحكمة وإن لم تطرد لكن ينتفي الحكم الذي شرع لها معها، فليس إلاّ القول بأن للعدة سببين: أحدهما دخول مائه المحترم فيها بالمساحقة أو بإيلاج دون تمام الحشفة، والثاني إيلاج الحشفة وإن لم ينزل بل وإن كان صغيراً غير قابل لنزول ماء منه، فتأمل جيداً فإنّ المقام غير منقح، والله أعلم بالصواب»(1). أقول: المحصّل من كلامه ثلاثة أُمور، احدها: أنّ اللازم من العدّة للحامل مع عدم الوطىء لزومها على الحائل أيضاً مخافة اختلاط المائين ولأنّ العدّة للماء ولحصول اللذّة والالتذاذ الواقع في صحيحة أبي عبيدة علّةً للعدّة ولعدم الفرق بينهما من حيث عدم الوطىء وعدم شمول أدلّة العدّة المتضّمنة له وللمسّ ومثله، والفرق بآية (واولات الأحمال) غير تام لعدم كونها في مقام بيان العدّة للحامل حتى يكون له الإطلاق بل الآية في مقام مقدار العدّة لها كآية الإقراء. ------------------------------------------------------------- [1] ـ جواهر الكلام 32: 216 ـ 218. (263) ثانيها: الاشكال على الشيخ بالفرق بين العدّة بالإقراء والأشهر باشتراط الأولى بالدخول بخلاف الثانية مع عدم الدليل على الفرق فإنّ الأدلّة فيهما مطلقة. ثالثها: الغرابة في حكمهم بعدم العدّة للمجبوب الّذي لا فرق بينه وبين مقطوع الذكر بعد حصول الماء من مساحقته مع عدم الفرق بينهما كما بيّنه(رحمه الله)، لإطلاق «الولد للفراش» وأنّ العدّة من الماء وأنّ حمله على الحكمة موجب لعدم العدّة حتى مع الحمل بدون الجماع والوطىء، فالقول بالعدّة مع الحمل في مقطوع الذكر مستلزم للقول بتعدّد السبب من الماء والإدخال. وفي كلامه(قدس سره) مواضع من النظر، احدها: الإيراد على اشكال العلاّمة(قدس سره) في القواعد متمسكاً بـ «الولد للفراش» ففيه: أنّه على كون قاعدة الولد امارة شرعية فالظاهر اختصاصها بغير الظن بالخلاف الحاصل من العادة لعدم الاماريّة والطريقية معه أصلاً فكيف يجعل حجّة وطريقاً فإنّ اللازم في الحجّة هي الطريقية ولو على النوع المفقود في المورد، وأمّا على كونه أصلاً عملياً تعبدياً فالاختصاص بمورد الشكّ اظهر لكون مورده الشكّ العقلائي لا الاحتمال العقلي المنتفي مع العادة والظنّ النوعي على خلاف القاعدة وكيف كان يشهد للاختصاص المقابلة، المذكورة في الخبر بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «وللعاهر الحجر» والمراد من العاهر العاهر الذي يحتمل لحوق الولد به عرفاً وعادة لا المطلق منه حيث أنّه مع كون اللحوق على خلاف العادة لا محلّ للادّعاء عرفاً وعادة حتى يحكم بنفيها مع الظن العادي على خلافه بذلك القول، وبعبارة أُخرى، مورد جملة «وللعاهر الحجر» العاهر الخاصّ المحتمل كون الولد له عادة لا العاهر الّذي لا احتمال للإلحاق به بحسب العادة والعرف لعدم تحقق الادّعاء فيه عادة حتى يلزم الحكم بنفيه بذلك القول. ثانيها: نقده لكلام الشهيد(قدس سره) بأنّ الآية إنّما يراد منها بيان مدّة العدّة للحامل لا (264) وجوب العدّة لها ففيه أنّه لقائل أن يقول: أنّ الآية عامّة وليست مطلقة ولا احتياج في العموم إلى مقام البيان، نعم ما ذكره(رحمه الله) من كون الحكمة التحرز عن الاختلاط ففي محلّه فإنّه المستفاد من الأخبار الدالّة على عدم العدّة لغير المدخول بها والتي لم تبلغ ولم تحمل ولليائسة من الحيض ولأنّ العدّة من الماء. ثالثها: أبتناء كون العدّة لورود المنىّ المحترم في الرحم في بيان الغرابة بكون الموجب والسبب للعدّة أمرين: احدهما الإيلاج وإن لم ينزل. ثانيهما ورود ذلك المنىّ ولو بالمساحقة أو بإيلاج مادون الحشفة فكيف لم يحكموا بالعدّة في المجبوب، ففيه عدم انحصار الابتناء بإثبات السببيّة لهما بل يكفي في ذلك كون الحكمة عدم اختلاط المياه لأنّ الحكمة وإن لم تكن كالعلّة في الدوران وجوداً وعدماً لكنّها مثل العلة وجوداً بمعنى أنّ مع الحكمة لابدّ من الحكم وإلاّ فلا وجه لتلك الحكمة أصلاً كما لا يخفى، وقد عرفت أنّه الحكمة فالعدّة لازمة في جميع الموارد المذكورة في الجواهر حتّى مع جذب المرأة المنيّ من القطنة أو في النوم وأمثالهما، ولعلّ لعدم انحصار الابتناء بما ذكره(رحمه الله) أمر بالتأملّ جيّداً. لا يقال: الظاهر من الشهيد الثاني(قدس سره) أنّ الظاهر من الأصحاب عدم العدّة مع عدم الدخول وعدم الحمل بل المستفاد من كلام الفاضل الهندي(قدس سره)في كشف اللثام الاتفاق على العدم وإرساله إرسال المسلّمات فكيف يحكم بالعدّة للحائل في تلك الموارد مع عدم الدخول. لأنّه يقال: أنّه على الاستظهار واستفادة الاتفاق أيضاً لا حجية له لأنّ المسألة اجتهادية والإجماع مدركىّ فإنّ الظاهر في وجه فتوى الأصحاب هو وجود قيد الدخول في الروايات، أو أنّ مورده القطع بعدم الاختلاط. ثم أنّه لا فرق في عدّة المدخول بها بين أن يكون الزوج كبيراً أو صغيراً لإطلاق النصّ.
|