|
2 ـ دائرة الموضوع وسعته
تحديد دائرة البحث ونطاقه من الموضوعات الأساسية الأخرى هنا، والتي قد تحرّك مسير البحث أحياناً من المجال الخارج ـ ديني إلى النطاق الداخل ـ ديني، وأحياناً الى النطاق المذهبي الداخلي الخاص، والمقصود أنه بعد البحث في مورد الضلالة ومعناها الدقيق يتوجه السؤال التالي: إلى أيّ مدى يطال هذا المفهوم؟ وإلى أين يصل؟ فهل يختص بالكتب العقيدية ولا يتخطى إطار أصول الأديان؟ أم أنه يستوعب الفرق والمذاهب والمدارس الكلامية أيضاً؟
إن دراسة حركة فتاوى الفقهاء وأدلتهم هنا تفضي إلى الاقتناع بعدم اختصاص هذا البحث بالنطاق الخارج ـ ديني، أي إطار ما هو خارج الأديان، سيما وأن هناك مفردات وعناوين استند إليها بعضهم وردت في هذا الموضوع، مثل عنوان البدعة في كلمات الشهيد وسائر الفقهاء... فهذا كلّه يدعم فرضية عدم انحصار البحث بنطاق الخارج ـ ديني. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تخطى بعض الفقهاء ـ مثل صاحب الجواهر([17]) وصاحب مفتاح الكرامة([18]) ـ هذه الدائرة ليطال الموضوع عندهم الاختلافات الفقهية والاجتهادية، مستخدمين عبارة «الضلال» في حق بعض النظريات والآراء الفقهية لعلماء كبار مثل الشهيد الأوّل وصاحب الحدائق. من هذا كلّه، يغدو من المناسب في سياق تحديد البحث، ومع الأخذ بالأدلّة والعمومات وعدم الخروج عن دائرتها ومفاداتها، والأخذ بعين الاعتبار أيضاً البُعد التعليلي في هذا الموضوع الذي يغلب عليه طابع الحيلولة دون تزلزل إيمان الناس وعقائد أفراد المجتمع... من هذا كلّه، يجب الحذر الشديد كي لا يؤدي الاجتهاد القائم على أساس حيوية الفقه وحراكيته إلى الوصول إلى طريق مسدود بجدار تهمة الضلالة والإضلال، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسارة الكثير من الحلول المقدّمة لفكفكة معضلات المجتمع ومشكلاته، والتي طالما قدمها فقهاء كبار مثل المحقق الأردبيلي، والشهيد الأوّل، والميرزا الشيرازي، والإمام الخميني(قدس سره); بحجة عناوين الضلال وأمثال ذلك، وهو ما يجرّ علينا ـ لو حصل ـ مفاسد أعظم وضلالات أوسع، وسيؤدي ـ فيما يؤدي ـ إلى التنفر من الدين والانزجار منه والاصطدام بالمنغلقات في الكثير من القضايا الاجتماعية في الإسلام. هذا كلّه، سيبدّل حركة ترغيب الناس ودعوتها إلى الإسلام ـ وهي الحركة التي بذل رسول الله (صلى الله عليه وآله) تمام وجوده في سبيلها ـ إلى حركة أخرى مخالفة لها; ذلك أنه بمرور الزمان وظهور المستجدات والمستحدثات من المسائل وتطوّر البشر في المجالات المادية المختلفة... إلى جانب الرشد العقلاني والحاجة إلى آليات جديدة في مجال البحث الديني... سيؤدي هذا كلّه إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الأحكام التي غلب على أدلّتها توافق الفقهاء، دون وجود نصوص شرعية صحيحة. ومن الواضح أن عناوين مثل البدعة، والضلال، والإضلال، والتأثير السلبي على عقائد الناس وإيمانهم و... ستشكل وسيلة للحيلولة دون البحث والتحقيق في هذا المجال. ____________________________________ [17] . جواهر الكلام 11: 174. [18] . مفتاح الكرامة 4: 62.
|