|
كتاب الطهارة
[ معنى الكتاب: ]
الكتاب مصدر ثان لـ «كَتَبَ»، من الكَتْب ; بمعنى: الجمع، ومنه قوله تعالى: (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِْيْمَانَ) [181]، أي: جمعه ; أو الخطّ، ففي القاموس: «كتبه كتباً أو كتاباً: خطّه» [182] ; أو ثالث، بدخول الكتابة، كما في النهاية [183] والصحاح [184]، أو الكِتْبَة ـ كهِجْرَة ـ، كما في الطراز [185] والمصباح [186] ; لأنّ الكتابة صناعة لا مصدر ; أو رابع، بدخولهما معاً. والصنعة في الكتابة [187] طارية لا أصليّة، وهو هنا بمعنى المكتوب، أو ما يكتب به مجازاً، بإطلاق المصدر عليها مبالغةً أو حقيقةً ; لأنّه كاللباس من أبنية المفعول، وكالإزار والرداء من صيغ الآلة، كما قيل [188]. والمراد بما يكتب به المكتوب فيه، كاللوح، فإنّه آلة للكتابة، كالقلم. وتفسير الكتاب [189] في القاموس بيان لحاصل المعنى، لا معنى آخر أو [190] منقول عرفي. وعرّفه الشهيد بأنّه اسم لما يَجمع بين المسائل المتّحدة بالجنس المختلفة بالنوع [191]، وجعل «الباب» و«الفصل» و«المقصد» للمسائل المتّحدة بالنوع المختلفة بالصنف، و«المطلب» لما يتّحد بالصنف ويختلف بالشخص. وما ذكره (رحمه الله) مناسب لما عليه الاستعمال في الغالب. [معنى الطهارة: ] والطهارة لغةً: نقيض النجاسة، كالطُهر، بالضمّ، من طَهَُر، كنَصَروكَرُم، فهو طاهر وطَهِر وطَهير، والجمع: أطهار، وطهارى، وطَهِرُون. قاله في القاموس [192]. وفي الطراز: «طهر طُهراً، بالضمّ، وطهارة، بالفتح: نظف ونقى من النجس والدنس، فهو طاهر، وهم أطهار، وهي طاهرة، وهنّ طواهر» [193]. وفي العرف [194]: اسم لما يبيح العبادة، من الوضوء والغسل والتيمّم [195]. أو لمطلق الثلاثة، مبيحةً، أو غير مبيحة، كوضوء المجدّد والجنب والحائض [196]. أو مشترك بين أحدهما وبين إزالة الخبث، لفظاً أو معنىً[197]. والأكثر على الأوّل [198] ; لأنّ الطهارة عبادة مشروطة بالنيّة، بخلاف الإزالة، وهو معنى قولهم: إزالة الخبث أمر عدميّ، والطهارة من الأُمور الوجودية. ولتبادر المبيح منها عند الإطلاق. وصحّة سلبها عن غيره ; يقال: توضّأتِ الحائض وهي على وضوء، ولا يقال: تطهّرتْ وهي على طُهر. وفي الحديث: عن الحائض تَطهّر [199] يوم الجمعة فتذكر الله، قال: «أمّا الطهر فلا، ولكن تتوضّأ وقت كلّ صلاة» [200]. [ دفع اشكال: ] وها هنا [201] سؤال مشهور، وهو أنّهم أخذوا في تعريف الطهارة قيد الإباحة، ومع ذلك قسّموا الطهارة إلى: واجبة ومندوبة، والمندوبة إلى ما يبيح وما لا يبيح، فأدخلوا في التقسيم ما خرج عن التعريف. والأمر فيه هيّن، والتخلّص منه بحمل المقسم على الأعمّ من المعرّف ممكن. ولكنّ الإشكال في شيء آخر، وهو أنّهم أخرجوا الإزالة عن الطهارة، وخصّوها بالمبيح من الأنواع الثلاثة، ومع ذلك أوردوا مباحث الإزالة على كثرتها في كتاب الطهارة، واستدلّوا بنحو «الطهور» و«المطهّر» من تصاريف الطهارة على المعنيين، وفسّروا الطهور بالمطهِّر من الحدث والخبث. فـفي الخلاف: «الطهور عندنا هو المطهِّر المزيل للحدث والنجاسة» [202]. وفي التبيان [203]، وفقه القرآن [204]، ومجمع البيان [205]، وغيرها [206]: «ماءً طهوراً، أي: طاهراً مطهّراً مزيلاً للأحداث والنجاسات». وعلى الاختصاص بالمبيحة لا يصحّ تفسيرها بالأعمّ، ولا الاستدلال بها عليه، وكذا على الاشتراك بينهما لفظاً. وعلى التقديرين فالمناسب إفراد الإزالة بكتاب آخر ; لبعد الاستطراد في مثله. والوجه: أنّها موضوعة للأعمّ [207]، دفعاً لمحذور الاشتراك والمجاز، للتحكّم اللازم من التخصيص، مع شيوع استعمالها في العام [208] وكلّ من نوعيه [209]، بحيث لايقصر بعضها عن بعض، ويحمل التعريف على خصوص الطهارة التي هي نوع من العبادات، فتخرج الإزالة عنه، وتدخل في الخطابات الشرعيّة، فيزول [210] الإشكال عن التفسير والاستدلال، بل يرتفع الخلاف بين القول بدخول الإزالة وخروجها. وإنّما يبقى الاستبعاد في إيراد [211] مباحث الإزالة بمجرّد الاستطراد، والأمر فيه سهل، والتزامه لازم على كلّ حال ; لخروج الإزالة عن العبادة في جميع الأقوال. -------------------------------------------------------- [181]. المجادلة (58) : 22. [182]. القاموس المحيط 1: 121، «كتب». [183]. النهاية (لابن الأثير) 4: 147. [184]. الصحاح 1: 208، «كتب». [185]. الطراز في اللغة (مخطوط)، مصوّرة مكتبة مركز إحياء التراث الإسلامي، الرقم 1009. [186]. المصباح المنير: 524، «كتب». [187]. في «ل»: الكتاب. [188]. راجع: تاج العروس 3: 351، «كتب». [189]. زاد في «ن»: به. [190]. في «د» و«ل»: و. [191]. غاية المراد 1: 11. وحكاه عنه الشهيد الثاني في فوائد القواعد: 10، والسيّد السند في مدارك الأحكام 1: 5. [192]. القاموس المحيط 2: 79، «طهر». [193]. الطراز في اللغة (مخطوط)، لا يوجد لدينا هذا الباب من الكتاب. [194]. المراد منه العرف الخاصّ، أي: الفقه. [195]. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 1، والمحقّق في الشرائع 1: 3، والعلاّمة في تحرير الأحكام 1: 43، والشهيد الأوّل في الألفية (المطبوع ضمن رسائل الشهيد الأوّل) : 162. ونسبه في مدارك الأحكام 1: 6، وذخيرة المعاد: 12، السطر 27، إلى الأكثر. [196]. استظهره السيّد في مدارك الأحكام 1: 6، من كلام بعض المتقدّمين. [197]. حكى هذا القول الشهيد في غاية المراد 1: 24، عن الشيخ المفيد أبي علي في شرح النهاية، حيث قال: «إنّها التطهير من النجاسات ورفع الأحداث». [198]. راجع: الهامش 8 من الصفحة السابقة. [199]. كذا في المصدر وفي جميع النسخ: «تتطهّر». [200]. الكافي 3: 100، باب ما يجب على الحائض...، الحديث 1، مع اختلاف يسير، وسائل الشيعة 2: 314، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 22، الحديث 3. [201]. في «د»: وهنا. [202]. الخلاف 1: 49، المسألة 1. [203]. التبيان 7: 438. [204]. فقه القرآن 1: 58. [205]. مجمع البيان 4: 173، وفيه: «طاهراً في نفسه ومطهّراً لغيره، مزيلاً للأحداث والنجاسات». [206]. كما في مسالك الأفهام (للفاضل الجواد) 1: 89. [207]. أي: الأعم من المبيحة وغيرها. [208]. في مصحّحة «ن»: الأعمّ [209]. كذا في النسخ، ولكنّ الظاهر أنّ الصحيح: «نوعيها»، لإرجاع الضمير إلى الطهارة. [210]. في «ن» و«ش»: ويزول. [211]. في «ل» و«د»: إرادة.
|