|
مصباح [9] في عدم انفعال ماء الغيث نازلاً
مصباح [9]
[ في عدم انفعال ماء الغيث نازلاً ] [ تحقيق المسألة على مباني مختلفة: ] يستثنى من انفعال القليل بالملاقاة: ماء الغيث نازلا وما يتّصل به. والحكم بطهارة الملاقي للنجاسة في الجملة موضع وفاق. واستثناؤه نازلا من العموم ظاهر على القول بالتسوية بين الورودين، كما هو المختار. أمّا على القول بالفرق بينهما، واختصاص الانفعال بالماء الوارد عليه النجاسة، فيشكل ذلك بأنّ المستثنى ـ وهو ماء الغيث نازلا ـ وارد على النجاسة، لا مورود عليه، والوارد على هذا القول طاهر مطلقاً، وإن لم يكن غيثاً، فلا يثبت للغيث خصوصيّة في هذا الحكم، بل لا يصحّ استثناؤه على الحقيقة من القليل المحكوم بنجاسته، وهو خصوص المورود عليه. ويندفع بعدم ثبوت الاستثناء من القائل بالفرق، والتخصيص المستفاد من الأكثر مبنيّ على ما ذهبوا إليه من التسوية، فلا إشكال. ويمكن أن يقال أيضاً: أنّ المراد بماء الغيث في كلام الأصحاب هو المجتمع منه حال نزول المطر، دون الغيث النازل نفسه، والورود من لوازم الثاني، دون الأوّل، فيصحّ استثناؤه من حكم القليل إذا وردت عليه النجاسة حال التقاطر. ويرد عليه: عدم اختصاص الحكم حينئذ بماء الغيث ; فإنّ المجتمع من غيره كالمجتمع منه في عدم الانفعال حال نزول المطر، إلاّ أن يراد به المتّصل بالغيث مطلقاً، وإن لم يجتمع منه، فيلغو اشتراط النزول ; لأنّ الاتّصال به لا يكون إلاّ حال نزوله. ومع هذا فلا يستفاد من الاستثناء حكم النازل نفسه إلاّ من جهة اللزوم، بناءً على أنّ تقوّي الغير يستلزم عدم انفعاله، والمقصود بالذات بيان حكم النازل. والتحقيق: أنّ طهارة الماء الوارد على القول به مخصوصة بالوارد المتميّز عن المورود عليه بعد الورود، فأمّا غير المتميّز فكالوارد على الماء النجس، فإنّه ينجس به على القولين ; لاتّحاد حكم الماءين المختلطين على الوجه الرافع للتمييز بينهما. وعلى هذا يصحّ استثناء الغيث نازلا من عموم انفعال القليل وإن قلنا بالفرق بين الورودين ; لأنّ الغيث النازل لا ينجس بملاقاة الماء النجس، بخلاف غيره من القليل الوارد. ومنه يعلم طهارة الماء النجس بنزول الغيث عليه ; لامتناع بقاء كلّ منهما على حكمه مع انتفاء التميّز، وعدم قبول الغيث النجاسة بمقتضى الأدلّة المخرجة له عن حكم القليل، فتعيّن طهر النجس به. وقد علم ممّـا قلناه: ظهور الفائدة في استثناء المتّصل بالغيث على القولين، وفي الغيث النازل على القول بالتسوية. وأنّ الفائدة في استثنائه على القول بالفرق إنّما تظهر في الوارد منه على الماء النجس، دون غيره. وقد فهم من التقييد بالاتّصال نجاسة القليل المجتمع منه بعد الانقطاع، وهو موضع وفاق*. والوجه فيه ظاهر ; فإنّه ماء قليل منقطع عمّـا يتقوّى به، فينجس بالملاقاة كغيره، عملا بعموم ما دلّ على نجاسة ما دون الكرّ من الراكد، من دون تفصيل بين ما أصله البئر، أو الجاري، أو المطر. ولا يعارضه إطلاق ما دلّ على طهارة الغيث، كما لا يعارضه الأدلّة الدالّة على طهارة البئر أو الجاري ; فإنّ المعتبر [1426] في اختلاف أحكام المياه ما عليه من الصفات والإضافات، دون ما كانت عليه، وإن صحّ الإطلاق بهذا الإعتبار أيضاً، كما يقال: اشرب ماء النهر، ولا تشرب ماء البئر ; فإنّه غير ملتفت إليه في ثبوت الأحكام وإلاّ لزم عدم انفعال (المأخوذ من الجاري بالملاقاة، وإن قلّ، وهو معلوم البطلان) [1427]. وروى الشيخ في الصحيح، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: الغدير فيه ماء مجتمع، تبول فيه الدواب، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجنب ؟ قال: «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» [1428]. والغدير: إمّا مختصّ بماء المطر، أو غالب فيه. قال الجوهري: «الغدير: القطعة من الماء، يغادرها السيل» [1429]. * ـ جاء في حاشية «ل» و«ش» و«د»: «نَفَى الخلاف عنه في المعالم [1430]، وحكى الاتّفاق عليه في كشف اللثام » [1431] منه (قدس سره). وفي القاموس: «والغَدر، كَصَرْد، القطعة من الماء، يغادرها السيل، كالغدير» [1432]. وأغرب في المصباح المنير[1433]، حيث فسّر الغدير بالنهر، ولعلّه إطلاق مهجور. وفي الحديث: «ربما بُلينا بالغدير من المطر وغيره» [1434]، وهو مع احتماله العطف على الغدير، لا ينافي غلبة استعماله في ماء المطر، كما قلناه. [ المراد بانقطاع المطر: ] والمراد بانقطاع المطر: انقطاع تقاطره من السماء لا مطلقاً، فلو انقطع كذلك ثمّ تقاطر من سقف أو جدار، فبحكم الواقف، وكذا لو جرى من جبل أو أرض منحدرة، بعد سكون المطر. ويحصل الانقطاع في القطرات النازلة بملاقاتها لجسم ولو قبل الاستقرار على الأرض ; فلو لاقت في الجوّ شيئاً، ثمّ سقطت على نجس، نجست بالملاقاة ما لم تتقوّى باتّصالها بالنازل بعدها. ولو احتمل انقطاع النازل، ولم يعلم ذلك، فهو على طهارته ; لأنّ الأصل عدم الانقطاع. _______________________________________________________________ [1426]. في حاشية بعض النسخ بدل «المعتبر»: «المعيار». [1427]. في حاشية بعض النسخ بدل مابين القوسين: «شيء من المياه، فإنّها مأخوذة ممّا لاتنفعل، وبطلانه ظاهر». [1428]. التهذيب 1: 439 / 1308، الزيادات في باب المياه، الحديث 27، الاستبصار 1: 11 / 17، باب كمية الكر، الحديث 6، وسائل الشيعة 1: 159، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 5. [1429]. الصحاح 2: 766، «غدر». [1430]. معالم الدين (قسم الفقه) 1: 313. [1431]. كشف اللثام 1: 260، وظاهره ادّعاء الاتّفاق، لا حكايته، فراجع. [1432]. القاموس المحيط 2: 100، «غدر». [1433]. المصباح المنير: 443، «غدر». [1434]. لم نجد هذا النصّ في كتب الأخبار. نعم، ورد بدون قوله: «وغيره»، في التهذيب 1: 442 / 1316، الزيادات في باب المياه، الحديث 35، والاستبصار 1: 22 / 55، باب الماء القليل يحصل فيه شيء من النجاسة، الحديث 10، وسائل الشيعة 1: 163، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 14، فعلى هذا ينتفي الإشكال من الأصل.
|