|
مصباح [3] في حكم الاستنجاء من الغائط بغير الأحجار
مصباح [3]
[ في حكم الاستنجاء من الغائط بغير الأحجار ] لا ريب في جواز الاستنجاء من الغائط بالأحجار، وثبوت التخيير بينها وبين الماء في حالتي الاضطرار والاختيار. وهو موضع نصّ [2059] ووفاق. أمّا غيرها من الأجسام المزيلة للنجاسة عدا ما استثني، فالمشهور أنّها كذلك، وبه قال الشيخ [2060]، وابن حمزة [2061]، وابن زهرة [2062]، وابن إدريس [2063]، والفاضلان [2064]، والشهيدان [2065]، وجمهور المتأخّرين [2066]. وفي الخلاف[2067] والغنية[2068]: الإجماع على ذلك. وقال في المنتهى: «إنّه قول أكثر أهل العلم» [2069]، ونقل الاقتصار على الأحجار عن بعض العامّة. وحكى المحقّق في المعتبر [2070] عن السيّد الجواز بالأحجار وما يقوم مقامها من المدر والخرق، ولم يذكر السيّد في الانتصار [2071] ولا في الجمل [2072] إلاّ الحجر. وفي الجمل والعقود: «الواجب في الاستنجاء من الغائط الماء أو الأحجار» [2073]. وأوجب أبو الصلاح المسح بثلاثة أحجار، قال: «ويجزيه ذلك عن الماء» [2074]. وقال الشيخ في النهاية: «يجزي الخرق بدلا من الأحجار» [2075]. وقال ابن الجنيد: «فإن لم تحضر الأحجار تمسح بالكرسف أو ما قام مقامه، ولا اختار الاستطابة بالآجر والخذف إلاّ إذا ألبسا طيناً أو تراباً يابساً» [2076]. وقال سلاّر: «ولا يجزي في الاستجمار إلاّ ما كان أصله الأرض» [2077]. وأوّله الشهيد [2078] بالأرض وما أنبتت، واستحبّ ذلك خروجاً عن خلافه. [ أدلّة القول المختار: ] لنا: الإجماع المنقول على العموم، وفتوى المعظم، وإطباق المتأخّرين بعد الخلاف، والتحديد بالنقاء وإذهاب الغائط في المعتبرين [2079]، وهما حاصلان في الجميع، وورود النصوص بالأعواد، والمدر، والخزف، والكرسف، والخرق [2080]، من غير ترتيب بينها وبين الأحجار، بل مع التصريح في بعضها بالخيار. فيبطل به الأقوال المذكورة ويثبت المختار ; لعدم القول بالفصل، ولأنّ الظاهر من المجموع الاكتفاء بما يزيل العين مطلقاً، كما هو المشهور. وأمّا الأخبار المتضمّنة لإجزاء ثلاثة أحجار [2081]، فالمتبادر منها نفي الأقلّ من الثلاث، لا الحصر في الأحجار، وعلى تقديره يجب حمله على الغالب، وإرادة التمثيل ; جمعاً بين الأدلّة، وتحكيماً للنصّ على الظاهر. [ حكم استعمال النجس في الاستنجاء من الغائط: ] ولا يجوز استعمال النجس مطلقاً، كما قطع به الأصحاب، وحكي عليه في الغنية [2082]، والمنتهى [2083]، والتحرير [2084] الإجماع. ويعضده الأصل [2085]، وقول الصادق (عليه السلام): «جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار» [2086]. مع عدم صلاحيّة النجس للتطهير، وخفاء اندراجه في العمومات، واكتساب المحلّ به نجاسةً أجنبيّة لا تطهر بالاستجمار. ولو استعمله جافّاً بعد جفاف المحلّ، فالأظهر البقاء على النجاسة، كما هو ظاهر الأصحاب. ولو طهّر المتنجّس بالاستنجاء أو غيره، جاز استعماله إجماعاً. ولو استجمر به، ثمّ غَسله، جاز المسح به في ذلك الاستنجاء، على القول بسقوط العدد مطلقاً، أو الاكتفاء بالمسح ثلاثاً ولو بالواحد. وأمّا على القول بالمسح بالثلاث فالمتجّه المنع ; لعدم صدق الامتثال. واحتمله العلاّمة في المنتهى تفريعاً على هذا القول ; للمحافظة على صورة العدد، واستبعده [2087]. واختُلف في المستعمل الطاهر: فظاهر النهاية [2088]، والوسيلة [2089]، والمهذّب [2090]، والإصباح [2091]، والشرائع [2092]، والنافع [2093]، والجامع [2094]، والقواعد [2095]: المنع ; حيث اشترطوا عدم الاستعمال، أو كون الأحجار أبكاراً، تمسّكاً بالأصل [2096]، والخبر المتقدم [2097]. والمتّجه: الجواز، وفاقاً للسرائر [2098]، والمعتبر [2099]، والتذكرة [2100]، ونهاية الإحكام [2101]، وظاهر المعظم ; إذ لم يشترطوا سوى الطهارة ; لعموم النصوص، وانتفاء المانع، وجواز الاستجمار بالنجس بعد تطهيره، وهذا لا يقصر عنه. ولأنّ المنع عنه لو ثبت لاستمرّ، لعدم ثبوت الرافع له شرعاً، فيكون حكم المستعمل الطاهر أغلظ من النجس ; لعود الرخصة فيه بالغَسل دون الطاهر. والأصل [2102] مندفع بالنصّ، والخبر محمول على الطاهر. وربّما احتمل الندب بقرينة تعقيب الحكم بذلك بالإتباع بالماء [2103]. ويظهر من المعتبر[2104] أنّ المراد بالمستعمل في كلام الأصحاب خصوص النجس. وفي كشف اللثام [2105] احتمال إرادة المتنجّس بالاستنجاء إذا قوبل بالنجس [2106] ـ كما في القواعد [2107] ـ واشتراط البكارة في كلام البعض يحتمل العود إلى الطهارة، كما في الخبر. وعند ذلك يزول الخلاف في المسألة، ويكون الاختلاف بمجرّد العبارة. ويجوز استعمال المستعمل في غير ذلك الاستنجاء. وفي جوازه فيه على القول بالاكتفاء بتعدّد المسح وجهان. وظاهر أصحاب هذا القول المنع أيضاً ; فإنّهم ذكروا الجواز في ذي الشعب دون غيره. وصرّح بعضهم، كالعلاّمة [2108] وغيره [2109]، بجواز استعمال المستعمل في استنجاء آخر، ولم يتعرّض للأوّل. [ شرائط ما يستنجى به: ] ويشترط فيها: أن تكون متماسكة ; فلا يجوز بغيرها، كالمايعات المضافة ; لعدم جواز التطهير بها، وخروجها عن الاستجمار على القول بالجواز، كالماء، وعن مثل التراب ممّـا هو جامد غير متماسك، كما نصّ عليه في المنتهى [2110]، والتذكرة [2111]، ونهاية الإحكام [2112]، وروض الجنان [2113]. وفي الحديث النبوي (صلى الله عليه وآله): «استطب بثلاثة أحجار، أو ثلاثة أعواد، أو ثلاثة حثيات من تراب» [2114]. ولم أجد به عاملا من الأصحاب في المسح بالتراب إلاّ ابن فهد [2115]، فإنّه نصّ على الجواز فيه، وردّه في كشف الالتباس [2116] بعدم الموافق. وأن تكون مزيلة للعين، فلا يجوز بما لا يزيلها، كالصقيل، وهو ظاهر. [ هل يجزئ لو استعمل ما لا يجوز الاستنجاء به ؟ ] أمّا المحترم، فلا يجوز استعماله قطعاً، وهل يجزئ لو استعمله ويطهّر به المحلّ ؟ قيل: لا، وهو قول السيّد [2117]، والشيخ [2118]، وابن إدريس [2119]، والمحقّق [2120]، وظاهر ابن زهرة [2121] ; للاستصحاب [2122]، والنهي المقتضي للفساد [2123]. وقيل: نعم، وهو الأشهر، وبه قال ابن سعيد [2124]، والعلاّمة [2125]، والشهيدان [2126]، وغيرهم [2127]. وهو الأقرب، ما لم يؤدّ الهتك إلى الارتداد، أو [2128] يتوجّه النهي إلى خصوص الاستنجاء. ومن ثَمّ حصل التطهير بالحجر المغصوب، والماء المغصوب. وأمّا العظم والروث، فالظاهر عدم حصول التطهير بهما ; للنهي عنهما في خصوص الاستنجاء [2129]، وتعليله في الحديث النبوي (صلى الله عليه وآله) بأنّهما لا يُطهّران [2130]، ولصقالة العظم ورخاوة الروث. وفي الخبر: «أمّا العظام والروث فطعام الجنّ، وذلك ممّـا شرطوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يصلح شيء من ذلك» [2131] ; يعني في الاستنجاء، كما يدلّ عليه السؤال، وظاهره عدم حصول التطهير بهما. وفي المعتبر [2132]، والمنتهى [2133] الإجماع على المنع، وظاهر الغنية[2134] الإجماع على عدم حصول التطهير بهما وبالمطعوم، فإن تمّ [2135] اقتضى ثبوت الحكم فيما عدا ذلك من أقسام المحترم بطريق أولى. هذا نهاية الجزء الأوّل من كتاب مصابيح الأحكام ويليه الجزء الثاني في غايات الطهارات ________________________________________________________________ [2059]. راجع: وسائل الشيعة 1: 348، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 30. [2060]. الخلاف 1: 106، المسألة 51، المبسوط 1: 17. [2061]. الوسيلة: 47. [2062]. غنية النزوع: 36. [2063]. السرائر 1: 96. [2064]. المحقّق الحلّي في المعتبر 1: 131، والعلاّمة في مختلف الشيعة 1: 100، المسألة 57. [2065]. الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة 1: 89، والبيان: 41، وذكرى الشيعة 1: 171، والشهيد الثاني في روض الجنان 1: 77. [2066]. منهم: المحقّق الكركي في جامع المقاصد 1: 95، والمحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 2: 30. [2067]. الخلاف 1: 106، المسألة 51. [2068]. غنية النزوع: 36. [2069]. منتهى المطلب 1: 275. [2070]. المعتبر 1: 131. [2071]. الانتصار: 97. [2072]. جمل العلم والعمل (المطبوع ضمن رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة) : 23. [2073]. الجمل والعقود (المطبوع ضمن الرسائل العشر) : 157. [2074]. الكافي في الفقه: 127. [2075]. النهاية: 10، قال فيه: «ويجوز استعمال الخَزَف بدلاً من الأحجار». [2076]. حكاه عنه الشهيد في ذكرى الشيعة 1: 171. [2077]. المراسم: 33، بتفاوت يسير. [2078]. البيان: 42. [2079]. وهما: ما رواه الكليني عن ابن المغيرة، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: قلت له: للاستنجاء حدّ ؟ قال: «لا، يُنَقّى ما ثمّة...»، إلى آخر الحديث. الكافي 3: 17، باب القول عند دخول الخلاء...، الحديث 9، وسائل الشيعة 1: 322، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 13، الحديث 1. وما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال: «يغسل ذكره ويُذهِبُ الغائط ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين». تهذيب الأحكام 1: 50 / 134، باب آداب الأحداث، الحديث 73، وسائل الشيعة 1: 316، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 5. [2080]. راجع: وسائل الشيعة 1: 357، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 35. [2081]. راجع: وسائل الشيعة 1: 348، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 30. [2082]. غنية النزوع: 36. [2083]. منتهى المطلب 1: 276. [2084]. تحرير الأحكام 1: 65. [2085]. أي: استصحاب نجاسة المحلّ، أو أصالة بقاء النجاسة. [2086]. التهذيب 1: 49 / 130، باب آداب الأحداث الموجبة للطّهارة، الحديث 69، وفيه: «... أبكار، ويتبع بالماء»، وسائل الشيعة 1: 349، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 30، الحديث 4. [2087]. منتهى المطلب 1: 277. [2088]. النهاية: 10. [2089]. الوسيلة: 47. [2090]. المهذّب (لابن البرّاج) 1: 40. [2091]. إصباح الشيعة: 27. [2092]. شرائع الإسلام 1: 11. [2093]. المختصر النافع: 5. [2094]. الجامع للشرائع: 27. [2095]. قواعد الأحكام 1: 180. [2096]. أي: أصالة بقاء النجاسة. [2097]. تقدّم في الصفحة السابقة. [2098]. السرائر 1: 96. [2099]. المعتبر 1: 133. [2100]. تذكرة الفقهاء 1: 128. [2101]. نهاية الإحكام 1: 89. [2102]. أي: الأصل الذي تمسّك به القائل بالمنع من استعمال المستعمل الطاهر. [2103]. حيث قال (عليه السلام) : «بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع بالماء». راجع: الصفحة السابقة: الهامش 4. [2104]. المعتبر 1: 133، حيث قال: «وأمّا الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه». [2105]. كشف اللثام 1: 211. [2106]. أي: إنّ «المستعمل» في كلامهم، إذا قوبل بالنجس ـ كما اتّفق في كلام العلاّمة في القواعد ـ يحتمل أنّهم أرادوا منه المتنجّس بالاستنجاء لا المستعمل الطاهر. [2107]. قواعد الأحكام 1: 180، حيث قابل المستعمل بالنجس فيما قال: «ولا يجزي المستعمل ولا النجس». [2108]. كما في نهاية الإحكام 1: 89. [2109]. كالسيد السند في مدارك الأحكام 1: 172. [2110]. منتهى المطلب 1: 276. [2111]. تذكرة الفقهاء 1: 127. [2112]. نهاية الإحكام 1: 88. [2113]. روض الجنان 1: 78. [2114]. سنن الدارقطني 1: 57، الحديث 12، السنن الكبرى 1: 193، الحديث 541، وفيهما: «ليستطب». [2115]. الموجز (المطبوع ضمن الرسائل العشر) : 40، قال فيه: «ويجزئ ذوالجهات و... والخرق، والتراب». [2116]. كشف الالتباس 1: 134. [2117]. لم نعثر على قوله، ولا المحكي عنه. [2118]. المبسوط 1: 17. [2119]. السرائر 1: 96. [2120]. المعتبر 1: 133، شرائع الإسلام 1: 11. [2121]. غنية النزوع: 36، فإنّه، حكم بإجزاء الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء، أو ما يقوم مقامها، سوى المطعوم والعظم والروث، فظاهره عدم الإجزاء في هذه الموارد. [2122]. استدلّ به المحقّق في المعتبر 1: 133. [2123]. استدلّ به الشيخ في المبسوط 1: 17. [2124]. الجامع للشرائع: 27. [2125]. تحرير الأحكام 1: 65، منتهى المطلب 1: 280، مختلف الشيعة 1: 101، المسألة 58. [2126]. البيان: 41، الدروس الشرعيّة 1: 89، روض الجنان 1: 78. [2127]. منهم: المحقّق الكركي في جامع المقاصد 1: 98، وابن فهد في الموجز (المطبوع ضمن الرسائل العشر) : 40، والصيمري في كشف الالتباس 1: 131، والسيد السند في مدارك الأحكام 1: 173. [2128]. في «ن»: و. [2129]. التهذيب 1: 376 / 1053، الزيادات في آداب الأحداث...، الحديث 16، وسائل الشيعة 1: 358، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 37، الحديث 5. [2130]. سنن الدارقطني 1: 56، الحديث 9. [2131]. التهذيب 1: 376 / 1053، الزيادات في آداب الأحداث الموجبة للطّهارة، الحديث 16، مع تفاوت لا يوجب التغيير في المعنى، وسائل الشيعة 1: 357، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 35، الحديث 1. [2132]. المعتبر 1: 132. [2133]. منتهى المطلب 1: 278. [2134]. غنية النزوع: 36، قال فيه: «فإنّه يجزئ فيه الأحجار مع وجود الماء... سوى المطعوم والعظم والروث... ويدّل على جميع ذلك الإجماع المشار إليه». [2135]. أي: إن تمّ الإجماع.
|