|
الصدقات
س 389 ـ نرجو أنْ تقدّموا لنا بعض التوضيحات حول
الصدقة. ج ـ كل عطاء وبذل بلا عوض يُعطى قربة إلى الله هو صدقة، ولا حدَّ ينتهي إليه ذلك. الصدقة تحفظ الإنسان من أنواع البلاء، كالداء والحريق وحوادث الطرق والغرق والهدم والجنون وميتة السوء وتدفع كل ذلك. يُروى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الصدد: أنّ الصدقة تدفع إلى سبعين بلاءً.(8) وهذا غير أجرها العظيم في الآخرة.(9) والصدقة خلافاً لكل الأشياء التي أوكل الله قبضها إلى غيره، هو الذي يتسلّمها بنفسه.(10) (ألَمْ يَعْلَمُوا أنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ويَأْخذُ الصدَقَاتِ وأنّ الله هُو التوَّابُ الرَّحِيمَ).(11) س 390 ـ نرجو أنْ تبيّنوا لنا شروط الصدقة. ج ـ إنْ لم نعتبر قصد القربة من صميم الصدقة وجوهرها، فإنّه بلا شك شرط في صحتها. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «لا صدقة ولا عتق إلاّ ما اُريد به وجه الله عزّ وجلّ».(12) وعلى الرغم من أنّ الأصحاب اشترطوا الإيجاب والقبول، إلاّ أنّه لا يوجد دليل مقنع على ذلك، ومقتضى الإطلاقات والعمومات، بل الأصل، هو عدم اشتراطهما، والأخبار الخاصّة تدلُّ عليه أيضاً: عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب، قال: «فليعطها غيره، ولا يردُّها في ماله». ومن الواضح أنّه لا يوجد في الرواية إيجاب وقبول ولا قبض وإقباض، ومع ذلك جرى الحكم بالإعطاء وعدم جواز الردّ، الأمر الذي يستلزم التصدُّق. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: من تصدق بصدقة فردَّت عليه فلا يجوز له أكلها، ولا يجوز له إلاّ إنفاقها، إنّما منزلتها بمنزلة العتق لله، فلو أنّ رجلا أعتق عبداً لله فرَدَّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله لله، فكذلك لا يرجع في الصدقة».(13) وهذه الرواية كالرواية السابقة أيضاً، حيث لا وجود لهذين الشرطين على الإطلاق، فالظاهر أنَّه على الرغم من عدم قبول الطرف الآخر وإرجاعه لها قبل أخذها، جرى الحكم بعدم جواز التصرُّف أيضاً وعدم اعتبارها جزءاً من أمواله، وإلاّ ستكون خلاف «لا شريك لله»(14). وهذه الرواية، كغيرها من الروايات التي شبَّهت الصدقة بالعتق، تدلُّ على عدم الاشتراط، لأنَّ العتق إيقاع وليس فيه قبض وإقباض. ومن الروايات الأُخرى التي يمكن الاستدلال بها هو صحيحة محمد بن مسلم: قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل كانت له جارية فآذته فيها امرأته، فقال: «هي عليك صدقة»، فقال: «إنْ كان قال ذلك لله فليمضها، وإنْ لم يقل فليرجع فيها إنْ شاء»(15). والاستدلال بهذه الصحيحة هو أنّها جعلت المعيار في عدم جواز ردّ الصدقة بأمرين: إنشاء الصدقة وقصد القربة. أضف إلى ذلك أنَّه لم يكن في الظاهر قبض وإقباض في الرواية، ومع ذلك جرى الحكم بعدم جواز الردّ في حال قصد القربة. فالصحيحة إذن تدلّ على عدم اشتراط ذلك كحالة خاصة بالرواية وكقاعدة عامة في الصدقة. س 391 ـ ما هي أفضل الصدقات؟ ج ـ 1 ـ التوسيع على العيال من أعظم الصدقات، فقد قال الشهيد في (الدروس): «والتوسعة على العيال من أعظم الصدقات»(16). 2 ـ التصدق عن سعة حال، كما في الحديث: «أفضل الصدقة عن ظهر غنى».(17) 3 ـ الصدقة بإيثار المتصدِّق على نفسه، لا بالإيثار على أسرته وعياله لما ذُكر من أنَّ التوسيع على العيال هو «أفضل الصدقة». وبشكل عام أينما وجد أمر بالإيثار فإنَّه يخصُّ المؤثر نفسه لا غير، لأنَّ الإضرار بغيره (كأُسرته وأقربائه) وتعريضهم لإحراج ومشقّة أمر مذموم، بل قد يحرم أحياناً. 4 ـ الضيافة. 5 ـ التصدُّق على الأقارب، لأنّه من المكروه ـ أساساً ـ التصدّق على البعيد مع وجود قريب محتاج، حتى قال الإمام الباقر: «لا صدقة وذو رحم محتاج»(18). كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّ الصدقة على الأقارب بسبعين ضعفاً، في حين أنَّ الصدقة العامة بعشرة أضعاف: (مَنْ جَاءَ بالحَسَنةِ فَلَهُ عَشْر أمَثَالِها).(19) ويُذكر هنا أنَّ الصدقة على الأقرباء لما كانت صلة رحم فإنّها تطيل العمر، بالإضافة إلى أنّها ستكون أقرب إلى موقعها الصحيح، لأنَّ المتصدِّق هنا على معرفة بمن يتصدَّق عليهم، وهم أيضاً لا يستاءون بذلك (باعتبار أنَّ المساعدة منهم وإليهم)، ولو فرضنا ساءهم ذلك فإنَّه بلا شك أقل بكثير من أخذ الصدقة من الغريب، وفوق كل ذلك الأثر الكبير الذي يتركه دعاؤهم وارتياحهم في حياة المتصدِّق، لأنّهم من الأقارب والأرحام. وتأكيداً لمكانة الصدقة وأهميتها، نذكر هذه الرواية: عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) (في حديث المناهي) قال: «ومن مشي إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه الله عزَّ وجلَّ أجر مائة شهيد، وله بكل خطوة أربعون ألف حسنة، ومحى عنه أربعون ألف سيئة، ورفع له من الدرجات مثل ذلك، وكان كأنّما عبد الله عزَّ وجلَّ مائة سنة صابراً محتسباً»(20). إنَّ التصدق على الأرحام على درجة من التأكيد بحيث حتى لو كان ذلك القريب والرحم عدواً، فإنَّ التصدُّق عليه مستحب ومن أفضل الصدقات. 6 ـ التصدُّق على العلماء وطلاب العلم. 7 ـ التصدُّق على ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله). 8 ـ إعطاء الماء. 9 ـ الحجّ عن الميت. 10 ـ التصدّق عن الأموات الذين انقطعت عنهم أسباب العمل، وهم بأمس الحاجة إلى أعمال الخير من الأحياء. 11 ـ بذل الجاه والمنزلة من أجل الشفاعة للمظلوم. 12 ـ الهدية للأُخوة في الدين. 13 ـ التصدُّق قبل الطلب. 14 ـ الصدقة العاجلة. 15 ـ الصدقة التي يستصغرها صاحبها ويسترها. 16 ـ الكلم الطيب الذي يؤدّي إلى هداية الناس وفصل النزاعات وغيرها من أعمال الخير. وأخيراً تجدر الإشارة إلى ما قاله الشهيد(قدس سره) في (الدروس) من أنّ إطعام حشرات الأرض وأسماك البحر فيه ثواب عظيم، كما ذكر أنَّ شكر المُنعم بالتصدُّق واجب والكفر به حرام. س 392 ـ هل يجوز التصدُّق على السادة من ذرية الرسول(صلى الله عليه وآله)؟ ج ـ يجوز، والممنوع مطلقاً هو إعطاؤهم الزكاة باعتبارها صدقة واجبة، كما أنَّ الأحوط استحباباً عدم إعطاء الكفارات والمظالم للسادة من ذرية الرسول. 29 جمادى الثانية 1410 ___________________________________________________________ (8) عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنَّ الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق والهدم والجنون» وعدّ سبعين باباً من السوء (وسائل الشيعة 9: 386، كتاب الزكاة، الباب 9 من أبواب الصدقة، الحديث 1). (9) محمد بن يعقوب بإسناده عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنَّ الله يقول: ما من شيء إلاّ و قد وكّلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة، فإني أتلقّفها بيدي تلقّفاً حتى إنَّ الرجل ليتصدَّق بالتمرة أو بشقّ تمرة فأربيها له كما يربي الرجل فلوه وفصيلة، فيأتي يوم القيامة و هو مثل أحد و أعظم من أحد» (وسائل الشيعة 9: 382، كتاب الزكاة، الباب 7 من أبواب الصدقة، الحديث 7). (10) المصدر السابق. (11) التوبة 9: 104. (12) وسائل الشيعة 19: 210، الباب 13 من أبواب أحكام الوقف والصدقات، الحديث 2 و 3. (13) المصدر السابق 9: 422، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 3 و 1. (14) عن أحمد بن فهد في (عدة الداعي) قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «من تصدّق بصدقة ثم ردت فلا يبيعها ولا يأكلها لأنَّه لا شريك لله في شيء ممّا جعل له، إنما هي بمنزلة العتاقة، ولا يصلح له ردّها بعد ما يعتق» (وسائل الشيعة 9: 423، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2). (15) المصدر السابق 19: 209، الباب 13 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث 1. (16) الدروس الشرعية: 67. (17) عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)... الحديث، (وسائل الشيعة 9: 430، كتاب الزكاة، الباب 28 من أبواب الصدقة، الحديث 4). (18) محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)... الحديث (وسائل الشيعة 9: 412، كتاب الزكاة، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 4). (19) في هامش الدروس: 67، قسّم رسول الله (عليه السلام) الصدقة على خمسة أقسام: أ ـ الصدقة فيه بعشرة أجزاء، وهي الصدقة العامَّة التي قال الله تعالى فيها: (مَنْ جَاءَ بالحَسَنةِ فَلَهُ عَشْر أمثَالِها)ب ـ الصدقة فيه بسبعين و هي الصدقة على الأقارب. ج ـ الصدقة فيه بسبعة آلاف وهي الصدقة على العلماء. و ـ الصدقة فيه بسبعين ألفاً و هي الصدقة على الموتى. (20) وسائل الشيعة 9: 412، كتاب الزكاة، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 5.
|