|
كتاب الطهارة / فصل في الأغسال الفعليّة
فصل في الأغسال الفعليّة[2950] وقد مرّ أنّها قسمان[2951]: القسم الأوّل: ما يكون مستحبّاً لأجل الفعل الذي يريد أن يفعله، وهي أغسال: أحدها: للإحرام[2952] وعن بعض العلماء وجوبه. الثاني: للطواف، سواء كان طواف الحجّ أو العمرة أو طواف النساء، بل للطواف المندوب أيضاً. الثالث: للوقوف بعرفات. الرابع: للوقوف بالمشعر. الخامس: للذبح والنحر. السادس: للحلق، وعن بعضهم استحبابه لرمي الجمار أيضاً. السابع: لزيارة أحد المعصومين (عليهم السلام) من قريب أو بعيد. الثامن: لرؤية أحد الأئمّة: في المنام، كما نقل عن موسى بن جعفر (عليه السلام): أنّه إذا أراد ذلك يغتسل ثلاث ليال ويناجيهم فيراهم في المنام. التاسع: لصلاة الحاجة، بل لطلب الحاجة مطلقاً. العاشر: لصلاة الاستخارة، بل للاستخارة مطلقاً، ولو من غير صلاة. الحادي عشر: لعمل الاستفتاح المعروف بعمل اُمّ داود. الثاني عشر: لأخذ تربة قبر الحسين (عليه السلام). الثالث عشر: لإرادة السفر خصوصاً لزيارة الحسين (عليه السلام). الرابع عشر: لصلاة الاستسقاء بل له مطلقاً. الخامس عشر: للتوبة من الكفر الأصلي أو الارتدادي، بل من الفسق، بل من الصغيرة أيضاً على وجه. السادس عشر: للتظلّم والاشتكاء إلى الله من ظلم ظالم، ففي الحديث عن الصادق (عليه السلام)ما مضمونه: إذا ظلمك أحد فلا تدع عليه، فإنّ المظلوم قد يصير ظالماً بالدعاء على من ظلمه، لكن اغتسل وصلّ ركعتين تحت السماء، ثمّ قل: « اللّهمّ إنّ فلان بن فلان ظلمني وليس لي أحد أصول به عليه غيرك، فاستوف لي ظلامتي السّاعة السّاعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطرّ أجبته فكشفت ما به من ضرّ، ومكّنت له في الأرض، وجعلته خليفتك على خلقك فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تستوفي ظلامتي، السّاعة السّاعة » فسترى ما تحبّ. السابع عشر: للأمن من الخوف من ظالم، فيغتسل ويصلّي ركعتين، ويحسر عن ركبتيه، ويجعلهما قريباً من مصلاّه، ويقول مائة مرّة: « ياحيّ، ياقيّوم، ياحيّ لا إله إلاّ أنت، برحمتك أستغيث، فصلّ على محمّد وآل محمّد، وأغثني السّاعة السّاعة » ثمّ يقول: « أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تلطف بي وأن تغلب لي، وأن تمكر لي، وأن تخدع لي، وأن تكفيني مؤونة فلان بن فلان بلا مؤونة ». وهذا دعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، يوم اُحد. الثامن عشر: لدفع النازلة، يصوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وعند الزوال من الأخير فيغتسل. التاسع عشر: للمباهلة مع من يدّعي باطلاً. العشرون: لتحصيل النشاط للعبادة أو لخصوص صلاة الليل، فعن « فلاح السائل » أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يغتسل في الليالي الباردة لأجل تحصيل النشاط لصلاة الليل. الحادي والعشرون: لصلاة الشكر. الثاني والعشرون: لتغسيل الميّت ولتكفينه. الثالث والعشرون: للحجامة على ما قيل، ولكن قيل: إنّه لا دليل عليه، ولعلّه مصحّف الجمعة. الرابع والعشرون: لإرادة العود إلى الجماع، لما نقل عن الرسالة الذهبيّة أنّ الجماع بعد الجماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد، لكن يحتمل أن يكون المراد غسل الجنابة، بل هو الظاهر. الخامس والعشرون: الغسل لكلّ عمل يتقرّب به إلى الله، كما حكي عن ابن الجنيد، ووجهه غير معلوم، وإن كان الإتيان به لا بقصد الورود لا بأس به. القسم الثاني: ما يكون مستحبّاً لأجل الفعل الذي فعله، وهي أيضاً أغسال: أحدها: غسل التوبة، على ما ذكره بعضهم من أنّه من جهة المعاصي التي ارتكبها، أو بناءً على أنّه بعد الندم الذي هو حقيقة التوبة، لكنّ الظاهر أنّه من القسم الأوّل كما ذكر هناك، وهذا هو الظاهر من الأخبار ومن كلمات العلماء، ويمكن أن يقال إنّه ذو جهتين، فمن حيث إنّه بعد المعاصي وبعد الندم يكون من القسم الثاني، ومن حيث إنّ تمام التوبة بالاستغفار يكون من القسم الأوّل، وخبر مسعدة بن زياد في خصوص استماع الغناء في الكنيف، وقول الإمام (عليه السلام) له في آخر الخبر: « قم فاغتسل فصلّ ما بدا لك » يمكن توجيهه بكلّ من الوجهين، والأظهر أنّه لسرعة قبول التوبة أو لكمالها. الثاني: الغسل لقتل الوزغ، ويحتمل أن يكون للشكر على توفيقه لقتله، حيث إنّه حيوان خبيث والأخبار في ذمّه من الطرفين كثيرة، ففي النبويّ: « اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة » وفي آخر: « من قتله فكأ نّما قتل شيطاناً » ويحتمل أن يكون لأجل حدوث قذارة من المباشرة لقتله. الثالث: غسل المولود، وعن الصدوق وابن حمزة وجوبه، لكنّه ضعيف، ووقته من حين الولادة حيناً عرفيّاً، فالتأخير إلى يومين أو ثلاثة لا يضرّ، وقد يقال: إلى سبعة أيّام، وربما قيل ببقائه إلى آخر العمر. والأولى على تقدير التأخير عن الحين العرفيّ الإتيان به برجاء المطلوبيّة. الرابع: الغسل لرؤية المصلوب، وقد ذكروا أنّ استحبابه مشروط بأمرين: أحدهما: أن يمشي لينظر إليه متعمّداً، فلو اتّفق نظره أو كان مجبوراً لا يستحبّ. الثاني: أن يكون بعد ثلاثة أيّام إذا كان مصلوباً بحقّ، لا قبلها بخلاف ما إذا كان مصلوباً بظلم، فإنّه يستحبّ معه مطلقاً ولو كان في اليومين الأوّلين، لكنّ الدليل على الشرط الثاني غير معلوم إلاّ دعوى الانصراف وهي محلّ منع. نعم الشرط الأوّل ظاهر الخبر، وهو من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة، وظاهره أنّ من مشى إليه لغرض صحيح كأداء الشهادة أو تحمّلها لا يثبت في حقّه الغسل. الخامس: غسل من فرّط في صلاة الكسوفين مع احتراق القرص، أي تركها عمداً، فإنّه يستحبّ أن يغتسل ويقضيها، وحكم بعضهم بوجوبـه، والأقوى عدم الوجوب[2953]، وإن كان الأحوط عدم تركه، والظاهر أنّه مستحبّ نفسيّ بعد التفريط المذكور، ولكن يحتمل[2954] أن يكون لأجل القضاء، كما هو مذهب جماعة، فالأولى الإتيان به بقصد القربة، لا بملاحظة غاية أو سبب، وإذا لم يكن الترك عن تفريط أو لم يكن القرص محترقاً لا يكون مستحبّاً وإن قيل باستحبابه مع التعمّد مطلقاً، وقيل باستحبابه مع احتراق القرص مطلقاً. السادس: غسل المرأة إذا تطيّبت لغير زوجها، ففي الخبر: « أيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها » واحتمال كون المراد: غسل الطيب من بدنها كما عن صاحب الحدائق بعيد ولا داعي إليه. السابع: غسل من شرب مسكراً فنام، ففي الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونه: « ما من أحد نام على سكر إلاّ وصار عروساً للشيطان إلى الفجر، فعليه أن يغتسل غسل الجنابة ». الثامن: غسل من مسّ ميّتاً بعد غسله. ( مسألة 1 ): حكي عن المفيد: استحباب الغسل لمن صبّ عليه ماء مظنون النجاسة، ولا وجه له، وربما يعدّ من الأغسال المسنونة غسل المجنون إذا أفاق، ودليله غير معلوم، وربما يقال: إنّه من جهة احتمال جنابته حال جنونه، لكن على هذا يكون من غسل الجنابة الاحتياطيّة، فلا وجه لعدّها منها، كما لا وجه لعدّ إعادة الغسل لذوي الأعذار المغتسلين حال العذر غسلاً ناقصاً مثل الجبيرة، وكذا عدّ غسل من رأى الجنابة في الثوب المشترك احتياطاً، فإنّ هذه ليست من الأغسال المسنونة. ( مسألة 2 ): وقت الأغسال المكانيّة كما مرّ سابقاً قبل الدخول فيها، أو بعده لإرادة البقاء على وجه، ويكفي الغسل في أوّل اليوم ليومه، وفي أوّل الليل لليلته، بل لا يخلو كفاية غسل الليل للنهار وبالعكس من قوّة[2955]، وإن كان دون الأوّل في الفضل، وكذا القسم الأوّل من الأغسال الفعليّة وقتها قبل الفعل على الوجه المذكور، وأمّا القسم الثاني منها فوقتها بعد تحقّق الفعل إلى آخر العمر[2956]، وإن كان الظاهر اعتبار إتيانها فوراً ففوراً. ( مسألة 3 ): ينتقض الأغسال الفعليّة من القسم الأوّل، والمكانيّة بالحدث الأصغر من أيّ سبب كان، حتّى من النوم على الأقوى، ويحتمل عدم انتقاضها بها مع استحباب إعادتها كما عليه بعضهم، لكنّ الظاهر ما ذكرنا. ( مسألة 4 ): الأغسال المستحبّة لا تكفي عن الوضوء[2957]، فلو كان محدثاً يجب أن يتوضّأ للصلاة ونحوها ; قبلها أو بعدها، والأفضل قبلها، ويجوز إتيانه في أثنائها إذا جيء بها ترتيبيّاً. ( مسألة5 ): إذا كان عليه أغسال متعدّدة زمانيّة أومكانيّة أو فعليّة أو مختلفة يكفي غسل واحـد عن الجميـع إذا نواها جميعاً، بل لا يبعد[2958] كون التداخل قهريّاً[2959]، لكن يشترط في الكفاية القهريّة أن يكون ما قصده معلوم المطلوبيّة لا ما كان يؤتى به بعنوان احتمال المطلوبيّة ; لعدم معلوميّة كونه غسلاً صحيحاً، حتّى يكون مجزياً عمّا هو معلوم المطلوبيّة. ( مسألة 6 ): نقل عن جماعة كالمفيد والمحقّق والعلاّمة والشهيد والمجلسيّ استحباب الغسل نفساً، ولو لم يكن هناك غاية مستحبّة أو مكان أو زمان، ونظرهم في ذلك إلى مثل قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )، وقوله: « إن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل »، وقوله: « أيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ وأيّ وضوء أنقى من الغسل ؟ ». ومثل ما ورد من استحباب الغسل بماء الفرات من دون ذكر سبب أو غاية إلى غير ذلك، لكن إثبات المطلب بمثلها مشكل. (مسألة 7 ): يقوم التيمّم[2960] مقام الغسل[2961] في جميـع ما ذكر عند عدم التمكّن منه. __________________________________________________________________ [2950]. في بعضها تأمّل والأمر سهل بعد جواز الإتيان رجاء. (خميني). ـ الإتيان بها رجاءً لا بأس به ; لما في استحباب بعضها من التأمّل، لاسيما فيما تكون دلالة دليله كسنده غير تامّة، مثل الرابع من القسم الثاني، حيث إنّ الغسل فيه عقوبة، ففي مرسلة الصدوق: « وروي أنّ من قصد إلى مصلوب فنظر إليه، وجب عليه الغسل عقوبة » (أ)، والاستحباب مناف مع العقوبة، ومثل السابع منه أيضاً، فمضمون الحديث ظاهر في لزوم غسل الجنابة، فكيف يستفاد منه غسل مستقلّ لشرب المسكر والنوم بعده، ومثل غيرهما ممّا يظهر من المراجعة إلى الجواهر (ب) وغيرها من الكتب الفقهيّة المفضّلة. (صانعي). [2951]. الثابت استحبابه من القسمين: الغسل للاحرام والذبح والنحر والحلق وزيارة البيت والاستخارة والمباهلة والاستسقاء ولوداع قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسّ الميّت بعد تغسيله فيؤتى بغير ما ذكر رجاءً. (سيستاني). [2952]. لم يثبت استحباب اكثر ما ذكر في هذا الفصل، وانما الثابت استحباب الغسل للإحرام والطواف والذبح والنحر والحلق، وزيارة الكعبة وزيارة الحسين (عليه السلام) ولو من بعيد، والاستخارة والاستسقاء والمباهلة والمولود، وترك صلاة الكسوف عمداً مع احتراق قرص الشمس كلياً، ومسّ الميّت بعد تغسيله. (خوئي). ــــــــــــــــــــــــــــــــ (أ) وسائل الشيعة 3: 332، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 19، الحديث 3. (ب) جواهر الكلام 5: 68. [2953]. فيه تأمّل. (سيستاني). [2954]. ولا يخلو عن وجه. (سيستاني). [2955]. في القوّة إشكال. (سيستاني). [2956]. التعميم محلّ تأمّل. (سيستاني). [2957]. الأظهر كفاية كلّ غسل ثبت استحبابه شرعاً عن الوضوء من دون فرق بين غسل الجمعة وغيره. نعم التيمّم البدل من الأغسال المستحبّة لا يكفي عن الوضوء على الأظهر. (خوئي). ـ مرّ كفاية الغسل مطلقاً عن الوضوء. (صانعي). ـ الظاهر الكفاية إذا كان استحبابه ثابتاً. (لنكراني). ـ الأظهر كفايتها عنه كما تقدّم. (سيستاني). [2958]. لا يخلو من شوب إشكال، فالأولى نيّة الجميع، ومع عدمها يأتي لغير المنويّ رجاء. (خميني). ـ محلّ إشكال كما مرّ. (لنكراني). [2959]. إطلاق الحكم فيه وفيما قبله محلّ إشكال كما تقدّم في المسألة الخامسة عشرة من فصل مستحبات غسل الجنابة. (سيستاني). [2960]. تقدّم الإشكال فيه، ولا بأس بإتيانه رجاء. (خميني). ـ تقدّم أنّه أيضاً محلّ إشكال. (لنكراني). [2961]. لكنّه لا يغني عن الوضوء في غير التيمّم عن غسل الجنابة. (خوئي). ـ تقدّم منعه. (سيستاني).
|