|
كتاب الوصيّة / فصل في الموصى به
تصحّ الوصيّة بكلّ ما يكون فيه غرض عقلائي محلّل، من عين أو منفعة أو حقّ قابل للنقل، ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلاً أو قوّة، فتصحّ بما تحمله الجارية أو الدابّة أو الشجرة، وتصحّ بالعبد الآبق منفرداً ولو لم يصحّ بيعه إلاّ بالضميمة، ولا تصحّ بالمحرّمات كالخمر والخنزير ونحوهما، ولا بآلات اللهو[1773]، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي كالحشرات وكلب الهراش، وأمّا كلب الصيد فلا مانع منه، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع وإن قلنا بعدم مملوكيّة ما عدا كلب الصيد، إذ يكفي وجود الفائدة فيها، ولا تصحّ بما لا يقبل النقل من الحقوق كحقّ القذف ونحوه، وتصحّ بالخمر المتّخذ للتخليل، ولا فرق في عدم صحّة الوصيّة بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين[1774] أو مختلفين ; لأنّ الكفّار أيضاً مكلّفون بالفروع[1775]. نعم هم يقرّون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً، ولا تصحّ الوصيّة بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه. نعم لو أوصى فضولاً عن الغير احتمل[1776] صحّته[1777] إذا أجاز.
(مسألة 1): يشترط في نفوذ الوصيّة كونها بمقدار الثلث أو بأقّل منه، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد، إلاّ مع إجازة الورثة بلا إشكال، وما عن عليّ بن بابويه من نفوذها مطلقاً على تقدير ثبوت النسبة شاذّ، ولا فرق بين أن يكون بحصّة مشاعة من التركة أو بعين معيّنه، ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصّة المجيز فقط، ولا يضرّالتبعيض كما في سائر العقود، فلو خلّف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت، كان للموصى له ثلاثة إلاّ ثلث من ستّة ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستّة. (مسألة 2): لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكان بقدره أو أقلّ صحّت، ولو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيّته بالثلث سابقاً أو لاحقاً، بطلت[1778] مع عدم إجازة الورثة، بل وكذا إن اتّفق أنّه لم يوص بالثلث أصلاً ; لأنّ الوصيّة المفروضة مخالف للشرع[1779] وإن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث. نعم لو كانت في واجب[1780] نفذت ; لأنّه يخرج من الأصل[1781]، إلاّ مع تصريحه بإخراجه من الثلث. (مسألة 3): إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في واجب حتّى تنفذ، أو لا حتّى يتوقّف الزائد على إجازة الورثة، فهل الأصل النفوذ إلاّ إذا ثبت عدم كونها بالواجب، أو عدمه إلاّ إذا ثبت كونها بالواجب ؟ وجهان، ربما يقال بالأوّل، ويحمل عليه ما دلّ من الأخبار على أنّه إذا أوصى بماله كلّه فهو جائز، وأنّه أحقّ بماله ما دام فيه الروح، لكن الأظهر[1782] الثاني ; لأنّ مقتضى ما دلّ على عدم صحّتها إذا كانت أزيد من ذلك، والخارج منه كونها بالواجب، وهو غير معلوم. نعم إذا أقرّ بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل، بل وكذا إذا قال: اُعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً، أو نحو ذلك وشكّ في أنّها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي فإنّها أيضاً تخرج من الأصل ; لأنّ الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما، والظاهر من كلامه اشتغال ذمّته بهما. (مسألة 4): إذا أجاز الوارث بعد وفات الموصي، فلا إشكال في نفوذها، ولا يجوز له الرجوع في إجازته، وأمّا إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان، أقواهما الأوّل، كما هو المشهور ; للأخبار المؤيّدة باحتمال كونه ذا حقّ في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط حقّه، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث. هذا، والإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي وليست ابتداء عطيّة من الوارث، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث، بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموصى له، بل ولا بتقدير ملكه، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل. (مسألة 5): ذكر بعضهم: أنّه لو أوصى بنصف ماله مثلاً فأجاز الورثة، ثمّ قالوا: ظنّنا أنّه قليل، قضى عليهم بما ظنّوه، وعليهم الحلف على الزائد، فلو قالوا: ظنّنا أنّه ألف درهم، فبان أنّه ألف دينار، قضى عليهم بصحّة الإجازة في خمسمائة درهم وأحلفوا على نفي ظنّ الزائد[1783]، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقيّة، وذلك لأصالة[1784] عدم تعلّق الإجازة بالزائد وأصالة عدم علمهم بالزائد، بخلاف ما إذا أوصى بعين معيّنة كدار أو عبد، فأجازوا، ثمّ ادّعوا أنّهم ظنّوا أنّ ذلك أزيد من الثلث بقليل، فبان أنّه أزيد بكثير، فإنّه لا يسمع منهم ذلك ; لأنّ إجازتهم تعلّقت بمعلوم وهو الدار أو العبد، ومنهم من سوّى بين المسألتين في القبول، ومنهم من سوّى بينهما في عدم القبول، وهذا هو الأقوى، أخذاً بظاهر كلامهم في الإجازة كما في سائر المقامات، كما إذا أقرّ بشيء ثمّ ادّعى: أنّه ظنّ كذا، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمّ ادّعى: أنّه ظنّ كذا، فإنّه لا يسمع منه، بل الأقوى عدم السماع حتّى مع العلم بصدقهم في دعواهم[1785]، إلاّ إذا علم كون إجازتهم مقيّدة بكونه بمقدار كذا، فيرجع إلى عدم الإجازة، ومعه يشكل السماع[1786] فيما ظنّوه أيضاً. (مسألة 6): المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي لا حال الوصيّة، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم حال الوفاة، فلو أوصى بحصّة مشاعة كالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص، كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصى، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جداً، وقد يقيّد بما إذا لم تكن كثيرة، إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجدّدة والأصل عدم تعلّق الوصيّة بها، ولكن لا وجه له للزوم العمل بإطلاق الوصيّة. نعم لو كان هناك قرينة قطعيّة على عدم إرادته الزيادة المتجدّدة صحّ ما ذكر، لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلّتها، ولو أوصى بعين معيّنة كانت بقدر الثلث أو أقلّ، ثمّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة، بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصيّة ثمّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلت أو أقلّ، صحّت الوصيّة فيها، وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معيّن كلّي، كمائة دينار مثلاً. (مسألة 7): ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنه، أو بكلّي كمائة دينار مثلاً، أنّه إذا أتلف من التركة بعد موت الموصي يردّ النقص عليهما أيضاً بالنسبة، كما في الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً، وذلك بدعوى: أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بمقدار ما يساوي قيمتها، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له، خصوصاً في الوصيّة بالعين المعيّنة. (مسألة 8): إذا حصل للموصي مال بعد الموت، كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته يخرج منه الوصيّة كما يخرج منه الديون، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع اُخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلاً، وإذا أوصى بعين وكانت أزيد من الثلث حين الموت وخرجت منه بضمّ ذلك المال نفذت فيها، وكذا إذا أوصى بكلّي كمائة دينار مثلاً، بل لو أوصى ثمّ قتل حسبت ديته من جملة تركته، فيخرج منها الثلث كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأ، بل وإن كان عمداً وصالحوا على الدية ; للنصوص الخاصّة مضافاً إلى الاعتبار ; وهو كونه أحقّ بعوض نفسه من غيره، وكذا إذا اُخذ دية جرحه خطأ، بل أو عمداً. ___________________________________________________________ [1773]. ممّا تكون فائدته ومنفعته منحصرة في الحرام، وأمّا ما فيه المنفعة المحلّله والمحرمة فتصحّ الوصية بها، كما يصحّ بيعها وغيرها من التصرّفات، وبالجملة لا دليل على كون آلات اللهو بما هي هي من المحرّمات، بل حرمتها مختصّة بما حصرت فائدتها بالحرام، كما حقّق في محلّه في المكاسب المحرمة. (صانعي). [1774]. فيه تأ مّل. (خميني). ـ فيه تأ مّل وإشكال من جهة الإشكال في فعلية التكاليف في حقّ القاصرين منهم. (صانعي). [1775]. الحكم ببطلان الوصية بالخمر والخنزير، ولو من الكافر للكافر لعلّه لا يتوقّف على تكليفهم بالفروع. (خوئي). [1776]. هذا هو الأظهر. (خوئي). [1777]. بل هذا هو الظاهر، وكذا في الصورة الاُولى لعدم الفرق. (لنكراني). [1778]. لا يبعد لغويّة قصده وصحّة وصيّته في الثلث ولغويّة الوصيّة الثانية بالثلث، وكذا لا يبعد صحّتها في الفرض الآتي ولغويّة قصده، لكن في الفرعين إشكال لا يترك التخلّص بالاحتياط. (خميني). ـ مع وصيّته بالثلث سابقاً، ومع عدمها فالبطلان محلّ إشكال، ومع عدمها رأساًالظاهر هي الصحّة.(لنكراني). [1779]. فيه منع ظاهر. (خوئي). [1780]. مالي دون غيره. (خميني ـ صانعي). [1781]. مرّ أنّ الواجبات البدنية كالصلاة والصوم لا تخرج من الأصل، وبذلك يظهر حال المسألة الآتية. (خوئي). [1782]. الأظهريّة ممنوعة. (لنكراني). [1783]. بل على نفي احتماله. (خميني ـ صانعي). [1784]. هذان الأصلان غير أصيلين وإن كان المدّعى حقّاً. (خميني ـ صانعي). [1785]. هذا إنّما يتمّ في مثل الوصية بمعلوم كالعبد والدار، فإنّ الإجازة حينئذ تكون نافذة ولو علم مخالفة علم المجيز لما عليه الموصى به من المالية، فإنّ التخلّف حينئذ من قبيل تخلّف الداعي وهو لا يضرّ بصحّة الإجازة، وأمّا في مثل الوصية بالنصف مثلاً فالمجاز على تقدير اعتقاد المجيز بأنّ المال ألف درهم فرضاً إنّما هي الوصية بخمسمائة درهم فلا تكون الإجازة نافذة في الزائد، وبذلك يظهر أنّه لا مانع من سماع الدعوى في هذه الصورة، إلاّ أنّها محتاجة إلى الإثبات ; لأنّها مخالفة لظاهر الكلام. (خوئي). [1786]. لعلّه من سهو القلم، وصحيحه يشكل القضاء. (خوئي).
|