|
اشتراط الكيل والوزن
من البحوث الملحقة بهذه المعصية التّي تُعدُّ من أكبر الكبائر هو اشتراط الكيل والوزن في تحقق الربا المعاملي، والمعروف أنّ ذلك الربا لا يحصل إلاّ في المكيل والموزون، كما يقال في هذا المضمار: إن المشترط هنا أن يكون جنس العوضين واحداً، فاذا باع شخص كيلو من الرز الرديء بثلاثة أرباع الكيلو من الرز ذات الجودة العالية كانت المعاملة ربوّية. كما قيل: إذا بيع كيلو من السمن الحيواني بكيلو ونصف من الحليب كانت المعاملة ربوية.
لكن المعاملة إذا كانت بين نفس الحيوانات، كانت غير محرّمة باعتبارها من المعدودات، كما لو كانت المعاملة عبارة عن مبادلة عشر جمال بخمسة عشرة جمل أو عشرة حصن بخمسة عشرة حصن، باعتبارها معدودات، وكذلك لو عاوضنا مائة متر من الأرض في أسوء أماكن المدينة بمأتين متر من الأرض في أفضل مناطق المدينة كان ذلك غير ربا كما يقال، لكون العقار معدوداً لا من الموزون ولا من المكيل. هذا الشرط خاص بربا المعاملات، أمّا ربا القروض فلا يشترط فيه ذلك. رحم اللّه المتقدمين أمثال الوالد حيث كان يقول: إنّ الصلوات على محمد وآله قد تحرم كما لو عاوضت كيلو من الحنطة مع كيلو باضافة صلوات: فالصلوات تكون زيادة حكميّة تدخل في باب الربا. وقد قال بذلك صاحب (العروة) كذلك، والحقّ تمامية البناء والفرع، لأنّ الزيادة امّا عينيّة وامّا وصفيّة أوحكميّة، والصلوات هنا زيادة حكميّة. وهناك شبهة في هذا المجال وعلى ذلك المبنى المعروف، اي حرمة الربا المعاملي مع عدم الزيادة في الماليّة وان كانت هناك زيادة في غيرها من الكميّة والوصفيّة والحكميّة، وهي أن السوق لايراد دون ممارسة هذا العمليّة، فلوكان عندنا رز من النوعية الرديئة وأردنا إبداله برز من النوعية الجيّدة كان المفروض تبديله، وهذا يعني ممارسة الربا. وقد قال الفقهاء هنا: إنّ طريق الخلاص هو بيع الرز وشراء غيره، وهذا كما ترى، لاستلزام الحيلة كذلك لغويّة التحريم لا سيّما مع ما في الربا من الشدّة في الحرمة والعقوبة. ثم انّ اطلاق حرمة الربا القرضي وشمولها للاستنتاجي كالاستهلاكي مخالف للاعتبار وذلك لاعتقادنا بشمولية الاسلام وجامعيّته وقابليّته على إدارة البشريّة جمعاء. ومن المعلوم عدم امكان إدارة الاقتصاد العالمي وقضاياه المصرفيّة دون ترويج القرض الربوي الاستثماري، ولايمكن حل القضيّة بالمضاربة فانّها خاصّة بالتجارة فتبقى المشكلة عالقة بالنسبة لمن يرغب في تأسيس معمل أو مطبعة أو العمل في الزراعة وما شابه مما ليس بتجارة، واشكل من ذلك القول بكون المضاربة مختصة بالنقدين اي الدرهم والدينار([37]) لا ببقيّة الاثمان والفلوس الرائجة فضلاً عن القروض. وقد حلّ البعض هذه المشكلة بالجعالة لتكون العمليّة شاملة لجميع الأعمال الاقتصاديّة من الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها. وهذا وأشباهه هو أساس عمل المصارف في الجمهوريّة الاسلاميّة. لكنّه بمثابة أكل اللّقمة من القفا ولايمكن إدارة العالم كلّه بهذه الطريقة المفعمة بالمشاكل والقضايا الهامشية. كما انّ الأخذ بالحيل الشرعية بمثابة جعل القوانين لغواً وإلغاء للعمليّة التقنينيّة، لأنه لا فائدة من المنع والحظر على بعض الامور وجعل مخارج معيّنة لممارسة ما حُظر ومنع، فهذا أمر لايقبله العاقل. وقد بينّه الامام (سلام اللّه عليه) في (كتاب البيع) بأحسن تبيين فراجعه([38]). هذا، مع أنّه بالنظر إلى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ)([39]) وإلى الاعتقاد بشموليّة تعاليم الإسلام لا يمكن الأخذ بهذه الحيل كآليات الإدارة المجتمعات والشعوب في العالم بأسره. كما لايمكن قياس ما نحن فيه مع قضيّة الزنا والنكاح المؤقت، فانّ الفرق بين النكاح المُؤقت والزنا هو ذلك الاعتبار الّذي يحصل باجراء الصيغة، فان مسألة النكاح ليست في متناول الأيدي دائماً عكس ما عليه الناس بالنسبة إلى القروض والحيل الشرعيّة ذات الصلة، كما أنّ الفرق بين الزنا والنكاح المؤقت ليس الصيغة فقط بل هناك آثار من قبيل الزوجيّة والاولاد والعدّة. إذن لا يمكن القياس هنا. ____________________________________________________________ ([37]) العروة الوثقى 2: 461، كتاب المضاربة: «الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة». ([38]) كتاب البيع 2: 409 و416. ([39]) سبأ 34: 28.
|