موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: حكم طلاق المرأة التي وهبت صداقها لزوجها بعد العقد وقبل الدخول
حكم طلاق المرأة التي وهبت صداقها لزوجها بعد العقد وقبل الدخول
س ـ لو وهبت امرأة مهرها لزوجها بعد العقد وقبل الدخول ، ثم طلّقها زوجها، فالحكم المعروف والوارد في الفتاوى، والذي يوجب عليها ردّ نصف المهر، هل يتناسب وعدالة الإسلام وإنصافه؟ أليس مثل هذا الحكم الذي يفرض على المرأة التي فقدت زوجها ومهرها معاً أن تدفع له نصف المهر، يعتبر مخالفاً للعدالة؟ بيّنوا لنا جواب هذه المسألة ورأيكم فيها ؟
ج ـ إنّ ما جاء في الروايات من الحكم وان كان بدفع نصف المهر للزوج، في مورد السؤال، والروايات حجّة شرعية، لاغبار عليها، لكن المستفاد من الروايات أنّ لزوم ردّ النصف إنّما هو للدليل الثابت، وهو أنّ هبتها مهرها لزوجها يعني قبضها منه، بناءً على «إذا جعلته في حلٍّ فقد قبضته منه» ومعلوم أنّ بعد القبض يجب عليها ردّ نصفه في حالة وقوع الطلاق قبل الدخول.
إلاّ أنّ هذا الحكم ـ برأينا ـ مختصّ بالمرأة التي هي على علمٍ ودراية بأنّ هبتها لزوجها كلّ صداقها يعني أنّها قد قبضته منه، إذ (إنّ هبة المهر قبض) وانّها تقبّلت خطورته وواقعه الشرعي، فعندئذٍ لا يمكن تصوّر ان الحكم بأنّه خلاف العدالة والإنصاف ، أو أنّه ظلم بحقّ المرأة؛ لأنّ ذلك وقع بسبب سوء تدبيرها .
نعم ، لو قلنا بأنّ الحكم مطلق ، وأنّه يشمل ـ بإطلاقه ـ حتّى المرأة الجاهلة بهذا الاعتبار، ولم تكن على علم بواقعه الشرعي، فعندئذٍ يمكن أن يقال لمثل هذا الحكم: إنّه مخالف لأصول المذهب، وللعدالة الإلهية، بل ومخالف لنصّ الكتاب والسنّة الدالّين على العدل في جعل الأحكام على العباد (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً...) بل هو مخالف لـ (...مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ...).
فأيّ ظلمٍ أعظم ممّا يتصوّر في حقّ امرأةٍ تطلب السكينة وصفاء العيش مع زوجها، فتهبه مهرها كلّه قبل الدخول إحساناً منها إليه، ثم يقوم هو بطلاقها وهجرها، ثم يحكم عليها بأن تدفع له نصف مهرها مع كونها جاهلة بهذا الحكم وماله من واقعٍ شرعي؟! وما يظهر من هذا الحكم إلا كونه تشجيعاً للزوج على التمادي في الطلاق الذي هو «أبغض حلالٍ عند الله»؟
إذن إطلاق الرواية، بحكم مخالفة الأصول والضوابط الإسلامية، بل وآيات القرآن الكريم، يجب تقييده بكون المرأة على علم بالمسألة لحظة إيهابها، ودراية بما يترتّب عليها من وقع قانوني. يضاف إليه أنّ حديث الرفع «رفع عن أمتي ... ما لا يعلمون» يدلّ أيضاً على عدم اقتضاء ذلك ، أي اعتبار الهبة قبضاً مع فرض جهلها بذلك، وإنّما يقتضي أي يختصّ في حالة العلم، ويرتفع في حالة الجهل.